للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التشكيك والخيلان (١) ألا تردونه إلى الشهوات في البطن، والفرج، والمعاش، في قوام آلات الحياة، فتدخلون فيها التشكيك، وتردون إليها الخيال والاختبال، ولا يكون عندكم فيها فرق بين النظر والإهمال، ولا بين الحلو والمر، والمستقذر والمستحب (٢)، فإن لم ينقادوا إليه نبذناهم في يم الاعتراض (٣)، إن لم يكن بنا قدرة على القيام فيهم بالواجب والانتهاض.

فإن قيل: قد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما (٤) سئل عن شرح الصدر، قال: "هو نور يقذفه الله في القلوب، قيل له: وما علامته؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار [و ٦ ب] الخلود، والاستعداد للموت" (٥)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله خلق الخلق من ظلمة، ثم رش عليهم من نوره"، فليركب عليهما قلنا: هذان حديثان موضوعان لا أصل لهما، يا ليتك لم تصل عليه، ولم (٦) تنسب الكذب إليه (٧)، وما أنت في ذلك إلا كمن يحلف ب الله الذي لا إله إلا هو لقد كان كذا وهو كاذب، فيا ليته لم يعظمه ولم يكذب فيما يقرن تعظيمه من حديث.

أما أن الحديث الأول له معنى صحيح في الدين، فإن هجر الدنيا يدل على خلو القلب من حبها، وأما الحديث الثاني ففاسد المعنى (٨) لا أثر له في الشريعة، ولا مبنى، ونعوذ ب الله من الغرور، والغرور، إنما خلق الإنسان من طين ثم نفخ (٩) فيه من روحه، والذي يعقل هو الطين بإقران الروح، فإن قيل: فقد قال الله سبحانه (١٠): {وغرتهم الحياة الدنيا} [الأنعام: ٧٠] فإن كان لها حقيقة، فليس فيها غزور، قلنا: وليس عندكم قول ولا رب ولا دليل، ولا اعتراض، فما لكم تدخلون دارا لستم مقرين بأنكم فيها، ثم


(١) ج، ز: الخيالات. والخيلان يراد به هنا الظن، خيل عليه اتهمه، وفيه: تفرس الخير.
(٢) ج، ب، ز: المستخبث. وفي هامش ز: عله: والمستطاب.
(٣) د: الإعراض.
(٤) ب، د: - لما.
(٥) ب، ج، ز: - والاستعداد للموت.
(٦) ب، د، ز: ثم.
(٧) ب: عليه. وعلق الشيخ ابن باديس على ذلك بقوله: لعله: إليه.
(٨) ج: - المعنى.
(٩) د: + الله.
(١٠) د: تعالى.

<<  <   >  >>