للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المخلوقات أجمع أم عن مخلوق أعظم منها قدرا، وأعلى منها مكانا، والصحيح إنهما جميعا صحيحان موجودان.

المعنى الثاني: الكرسي، وقد اختلف الناس فيه فمنهم من قال: إنه العلم، وقيل: إنه موضع القدمين (١)، ومعناه أن العرش منصوب كهيئتي الدست، والكرسي، موجود تحته كهيئة الكرسي الموضوع للملك في الدنيا يرقى إلى الدست عليه، ويضع إذا جلس قدميه فيه، وهي جلسة الجبارين فيما شاهدتهم عليه، ولم يرد في هيئته حديث يعول (٢) عليه، فلا يلتفت إليه أما أنه من الجائز أن يكون كذلك والله (٣) أعلم بوجه الحكمة في خلقه، إذ لا يصح بحال من المعقول أن يكون مقرا له، ونحن لا نعلم الحكمة في خلق الذر، فكيف أن نعلم (٤) الحكمة في خلق العرش والكرسي، فلا معارضة بين القولين، فيجب الإيمان بالورود والتجويز للمعنيين، واعتقاد وجوب سعة العلم للكل، وتنزيه الرب عن الحلول والاتصال، ونكون حينئذ من الراسخين بفضل الله. المعنى الثالث: القلم، ليس يمتنع أن يكون جسما مؤلفا، ولا خلاف بين الأمة أنه كذلك، وقد تظاهرت الأخبار والآثار أنها أقلام، وقد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية الصحيح، صريفها في ليلة الإسراء، في العلو الأعلى، ويحتمل أن يكون أول مخلوق قلما واحدا، فكتب، ثم خلقت سائر الأقلام بعده، ويحتمل أن يكون قوله: "أول ما خلق الله القلم" عبارة عن الجنس لا عن الواحد، والظاهر عندي أنه واحد خلقت بعده أقلام سنواه، والله أعلم.

المعنى الرابع: أنه قال له: اكتب، قد بينا في "قانون التأويل" وجه الحاجة إلى الكتابة، وفضل الله فيها على الخلق، وما يدفع من مضرتهم، ويرفع من حاجتهم، ولما قال في الحديث: "فقال له اكتب" دل على أن هنالك مكتوبا فيه، وهو المعنى الخامس عبر في آية باللوح (٥) وفي آخر (٦) بالرق


(١) ب: القدس.
(٢) ب: نعول.
(٣) ب، ز: في نسخة: ربنا.
(٤) ج: تعلم.
(٥) ب، ز: في حديث بأنه اللوح.
(٦) كذا في جميع النسخ، وصوابه: أخرى، بناء على أنه وصف للآية.

<<  <   >  >>