للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليهم بأدلتهم، أبو حامد الغزالي، فأجاد فيما أفاد، وأبدع في ذلك ما أراد الله وأراد، وبلغ في فضيحتهم المراد، فأفسد قولهم من قولهم، وذبحهم بمداهم. فكان من جيد ما أتاه، وأحسن ما رواه، ورآه، وأفرد عليهم (١) فيما يختصون به دون مشاركة أهل البدع لهم، كتابا سماه "تهافت الفلاسفة" ظهرت (٢) فيه منته، ووضحت في درج المعارف مرتبته (٣)، وأبدع في استخراج الأدلة من القرآن، على رسم الترتيب في الوزن، الذي شرطوه على قوانين خمسة بديعة في كتاب سماه "القسطاس" (٤) ما شاء. وأخذ في "معيار العلم" عليهم طريق المنطق فرتبه (٥) [و ٢٩ ب]، بالأمثلة الفقهية والكلامية، حتى محا فيه رسم الفلاسفة، ولم يترك لهم مثالا، ولا ممثلا، وأخرجه خالصا عن دسائسهم، بيد أنه أدخل فيه أغراضا صوفية، فيها غلو وإفراط، وتدآل (٦) على الشرع وانبساط.

وقد كان تعرض سخيف من بادية بلدنا يعرف بابن حزم (٧)، حين طالع شيئا من كلام الكندي إلى أن يصنف (٨) في المنطق، فجاء بما يشبه عقله، ويشاكل (٩) قدره (١٠)، وقد كان أبو حامد تاجا في هامة الليالي، وعقدا في لبة المعالي، حتى أوغل في التصوف، وأكثر معهم التصرف، فخرج على


(١) ب: - عليهم.
(٢) ب: ظهر، ج: وظهرت.
(٣) ب: وصحت في درجة العلم منزلته.
(٤) ز: كتب على الهامش: قف على مدح كتاب التهافت لحجة الإسلام والقسطاس له أيضا.
(٥) د: قريبه.
(٦) دأله: ختله، ودأل مشى مشية فيها ضعف، والمداءلة: المخاتلة. (القاموس المحيط). ب: تولد. ز: تداؤل.
(٧) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب يقال إنه فارسي الأصل ظاهري المذهب، حاد الذكاء له معرفه واسعة بالمذاهب والملل والنحل والآداب وقد وصل إلينا كتابه الذي ألفه في المنطق وهو: التقريب لحد المنطق يؤيد فيه منطق أرسطو ويدافع عنه ضد الفقهاء الذين عارضوه ولكنه لا يأخذ بالقياس فيه ويقول بالعلة الطبيعية وينفي العلة العقلية. (الذهبي، العبر، ج ٣ ص٢٣٩).
(٨) ج، ز: يصنف.
(٩) د: ويشاركه.
(١٠) ب: قد.

<<  <   >  >>