للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لابُدَّ للسالِكِ مِن همةٍ تُسيَّرهُ، وتُرقَِّيهِ، وعلم يُبصِّرُه، وَيهدِيهَ

قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى-:

(إن الله سبحانه وتعالى لما اقتضت حكمته ورحمته إخراج آدم وذريته من الجنة، أعاضهم أفضل منها، وهو ما أعطاهم من عهده الذى جعله سببًا موصِّلاً لهم إليه، وطريقًا واضحًا بَيِّنَ الدلالة عليه، من تمسك به؛ فاز واهتدى، ومن أعرض عنه؛ شقى وغوى، ولما كان هذا العهد الكريم، والصراط المستقيم والنبأ العظيم، لا يُوصَل إليه أبدًا إلا من باب العلم والإرادة، فالإرادة باب الوصوله إليه، والعلم مفتاح ذلك الباب المتوقف فتحُه عليه، وكمال كل إنسان إنما يتم بهذين النوعين "همة تُرَقِّيه" و "علم يُبصِّره، ويهديه"،فإن مراتب السعادة والفلاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين، أو من إحداهما: إما أن لا يكون له علم بها، فلا يتحرك في طلبها، أو يكون عالمًا بها، ولا تنهض همته إليها فلا يزال في حضيض طبعه محبوسًا، وقلبه عن كماله الذي خُلِق له مصدودًا منكوسًا، قد أسام نفسه مع الأنعام راعيًا مع الهَمَل، واستطاب لِقِيعات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل، لا كمن رُفع له عَلَم فشمَّر إليه، وبورك له في تفرده في طريقه طلبه فلزمه، واستقام عليه، قد أبت غلبات شوقه إلا الهجرة إلى الله ورسوله، ومقتت نفسه

<<  <   >  >>