لما بلغَ أبا ذر مبعثُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، قال لأخيه - أنَيس-: اركب إلى هذا الوادي، فَاعْلَم لي عِلمَ هذا الرجل، الذي يَزعُمُ أنه يأتيه الخبرُ من السماء، فاسْمَعْ مِن قولِه ثم ائتني.
فانطلق -أُنيَس- حتى قدم مكة، وسَمِعَ من قولِه، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال:"رأيتُه يأمر بمكارم الأخلاق، و -سمعتُه يقول- كلامًا ما هو بالشعر"، فقال أبو ذر:"ما شَفيتَني فيما أردتُ! ".
فتزوَّدَ -أبو ذر- وحمَل شَنّةً (١) له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يعرفه، وكره أن يَسأل عنه، حتى أدركه الليلُ فاضطجع، فرآه عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه فعرف أنه غريب، ودعاه إلى منزله -فتَبِعَه، فلم يَسأل واحد منهما صاحبَه عن شيء حتى أصبح.
ثم احتَمَل قِرْبَتَه وزاده إلى المسجد، وظَلَّ ذلك اليوم ولا يَرَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمَرَّ به علي فقال:"ما آنَ للرجل أن يَعلمَ منزلَه؟ "، فأقامه فذهب به معه، ولا يَسأل واحد
(١) الشنة: القربة الخَلَق الصغيرة يكون الماء فيها أبردَ من غيرها.