تظهر علامات النجابة ومخايل العبقرية في الصغر، حتى لا يكاد يشك ذو فراسة إيمانية صادقة في صيرورة صاحبها إلى تسنم ذرا العلا، والتربع على قمة المجد، والإرتقاء إلى منصب الإمامة.
ولقد اهتم المسلمون بالاجتهاد في الاكتشاف المبكر للنابغين، ووضعوا لذلك معايير دقيقة، وأوْلَوُا الصغار الذين توسَّموا فيهم النجابة رعاية خاصة ترقبًا لما تفرسوه فيهم من الصدارة.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:
(تأملت الذين يختارهم الحق عز وجل لوَلايته والقرب منه، فقد سمعنا أوصافهم ومن نظنه منهم، ممن رأيناه.
فوجدته سبحانه لا يختار إلا شخصًا كامل الصورة، لا عيب في صورته، ولا نقص في خلقته، فتراه حسن الوجه، معتدل القامة، سليمًا من آفة في بدنه، ثم يكون كاملًا في باطنه، سخيًّا جوادًا، عاقلًا، غير خِبٌّ ولا خادع، ولا حقود ولا حسود، ولا فيه عيب من عيوب الباطن.
فذاك الذي يربيه من صغره، فتراه في الطفولة معتزلًا عن الصبيان، كأنه في الصبا شيخ، ينبو عن الرذائل، ويفزع من النقائص، ثم لا تزال شجرة همته تنمو حتى يرى ثمرها متهدِّلًا على أغصان الشباب، فهو