للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(١٣) عُلُوّ هِمَّتِهِم في التَّصنِيفِ (١)

قال الخطيب البغدادي: "سمعت على بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوى، يحكي: أن محمد بن جرير الطبري -المتوفى سنة ٣١٠ هـ عن ثلاث وثمانين سنة-، مكث أربعين سنة، يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة".

أي: أنه -رحمه الله - كتب ما يقارب (٥٨٤٠٠٠) أربعة وثمانين وخمسمائة ألف ورقة!!

وابتداءً يقف المرء حائرًا مشدوهًا أمام هذا الرقم، الذي لا يُعْرَفُ لِعَالِمٍ في تاريخ البشرية، بيد أنه إذا عُلم ما كان عليه هذا الإمام الجليل من هِمةٍ عالية، وعزيمةٍ ماضية، وحرصٍ على لحظات العمر حتى في ساعة الاحتضار، وإدراكٍ لشرف الرسالة التي يحمل، مع فسحة في العمر، والبركة فيه، لما كان عليه من الإخلاص، وصدق النية، خفَّت حيرته، وأصبح أقرب إلى فهم حقيقة هذه الغزارة في الإنتاج العلمي.

يقول الأستاذ محمد كرد علي في ترجمة ابن جرير الطبري: "وما أُثِرَ عنه أنه أضاع دقيقة من حياته في غير الإفادة والاستفادة".

ومصنفات إمامنا الطبري -رحمه الله - في الذروة: جِدَّةً ومنهجًا واتساعًا وعمقًا ونضجًا، مع اختلاف الفنون التي تناولها على كثرتها، حتى آلت إليه إمامة المؤرخين والمفسرين، إلى جانب كونه صاحب


(١) هذا الفصل مختصر من كتاب "سوانح وتأملات في قيمة الزمن" ص (٢٦ - ٣٤).

<<  <   >  >>