للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَرْقُ بَينَ المنَافَسَةَ والحَسَدِ

(والفرق بين المنافسة والحسد: أن المنافسة البادرة إلى الكمال الذي تشاهد من غيرك، فتنافسه فيه حتى تلحقه، أو تجاوزه، فهي من شرف النفس، وعلو الهمة، وكبر القدر، قال تعالى: {وفي ذلك فَلْيتنافس المتنافسون}، وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلبًا ورغبة، فينافس فيه كل من النفسين الأخرى، وربما فرحت إذا شاركتها فيه، كما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنافسون في الخير، ويفرح بعضهم ببعض لاشتراكهم فيه، بل يحض بعضهم بعضًا عليه مع تنافسهم فيه، وهي نوع من المسابقة، وقد قال تعالى: {فاسْتَبِقوا الخيرات}، وقال تعالى: {سابقوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنة عرضُها كعرض السماء والأرض}، وكان عمر بن الخطاب يسابق أبا بكر -رضي الله عنهما-، فلم يظفر بسبقه أبدًا، فلما علم أنه قد استولى على الإمامة (١)، قال: "والله لا أسابقك إلى شيء أبدًا"،

وقال: "والله ما سبقته إلى خيرٍ، إلا وجدته قد سبقني إليه"، والمتنافسان كعبدين بين يدي سيدهما يتباريان، ويتنافسان في مرضاته، ويتسابقان إلى محابه، فسيدهما يعجبه ذلك منهما، ويحثهما عليه، وكل منهما يحب الآخر، ويحرضه على مرضاة سيده.

والحسد خلقُ نفسٍ ذميمةٍ وضيعةٍ ساقطةٍ، ليس فيها حرصٌ على


(١) أي: تمكنت منه خصال الإمامة في الدين، "تمكَّن منها.

<<  <   >  >>