(والفرق بين الصيانة والتكبر: أن الصائن لنفسه بمنزلة رجل قد لبس ثوبًا جديدًا، نقي البياض، ذا ثمن، فهو يدخل به على الملوك فمَن دونَهم، فهو يصونه عن الوسخ والغبار والطبوع وأنْواع الآثار إبقْاءً على بياضه ونقائه، فتراه صاحب تعزز وهروب من المواضع التي يخشى منها عليه التلوث، فلا يسمح بأثر ولا طبع ولا لوث يعلو ثوبه، وإن أصابه شيء من ذلك على غرَّة، بادر إلى قلعه وإزالته ومحو أثره، وهكذا الصائن لقلبه ودينه، تراه يجتنب طبوع الذنوب وآثارها، فإن لها في القلب طبوعًا وآثارًا أعظم من الطبوع الفاحشة في الثوب النقي البياض، ولكن على العيون غشاوة أن تدرك تلك الطبوع، فتراه يهرب من مظان التلوث، ويحترس من الخلق، ويتباعد من تخالطهم مخافة أن يحصل لقلبه ما يحصل للثوب الذي يخالط الدباغين، والذباحين، والطباخين، ونحوهم.
بخلاف صاحب العلو فإنه وإن شابه هذا في تحرزه وتجنبه؛ فهو يقصد أن يعلو رقابهم، ويجعلهم تحت قدمه، فهذا لون وذاك لون) (١) اهـ.
أما الكِبْر:
(فإنه أثر من آثار العجب والبغي مِن قلبٍ قد امتلأ بالجهل والظلم، ترحلت منه العبودية، ونزل عليه المقت، فنظرُهُ إلى الناس شَزَر، ومشيه بينهم تبختر، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار، لا الإيثار، ولا الإنصاف، ذاهب بنفسه تيهًا، لا يبدأ مَن لقيه بالسلام، وإِن رد عليه رأى أنه