(٥) مُعَانَاتهم الجُوع وَالمرَض والشَّدَائِدِ وَالمخاطَرة بِالنفسِ في طَلَبِ العلم
قص الإمام أبو حاتم -رحمه الله تعالى - شيئًا مما لقيه أثناء رحلته في طلب العلم، فقال:
(لما خرجنا من المدينة من عند داود الجعفري صرنا إلى الجار، وركبنا البحر وكنا ثلاثة أنفس: أبو زهير المروزي شيخ، وآخر نيسابوري، فركبنا البحر، وكانت الريح في وجوهنا، فبقينا في البحر ثلاثة أشهر، وضاقت صدورنا، وفني ما كان معنا من الزاد، وبقيت بقية، فخرجنا إلى البر فجعلنا نمشى أيامًا على البر، حتى فني ما كان معنا من الزاد والماء، فمشينا يومًا وليلة لم يأكل أحد منا شيئًا، ولا شربنا، واليوم الثاني كمثل، واليوم الثالث، كل يوم نمشي إلى الليل، فإذا جاء المساء صلينا، وألقينا بأنفسنا حيث كنا، وقد ضعفت أبداننا من الجوع والعطش والعياء، فلما أصبحنا اليوم الثالث جعلنا نمشي على قدر طاقتنا، فسقط الشيخ مغشيًّا عليه، فجئنا نحركه، وهو لا يعقل، فتركناه، ومشينا أنا وصاحبي النيسابوري قدر فرسخ أو فرسخين، فضعفت، وسقَطت مغشيًّا علي، ومضى صاحبي، وتركنى، فلم يزل هو يمشي، إذ بصر من بعيد قومًا قد قربوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى - صلى الله عليه وسلم -، فلما عاينهم لوَّحَ بثوبه إليهم، فجاءوه معهم الماء في إداوة فسقوه، وأخذوا بيده، فقال لهم:"رفيقين لي قد ألقوا بأنفسهم مغشيًّا عليهم"، فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهي، ففتحتَ عيني، فقلت:"اسقني"، فصب من الماء في