ومن ذلك: أن "شعبة بن الحجاج" جاء إلى "خالدٍ الحذاء"، فقال:
"يا أبا منازل: عندك حديث حَدِّثني به؟ "، وكان خالد عليلًا، فقال له:"أنا وجع"، فقال:"إنما هو واحد؟ "، فحدثه به، فلما فرغ، قال: لا من إذا شئت".
وكان "يحيى بن معين" شديد الحرص على لقاء الشيوخ والسماع منهم خشيه أن يفوتوه، قال عبد بن حميد: (سألني يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إلي، فقلت: حدثنا حماد بن سلمة فقال: "لو كان من كتابك؟ " فقمت لأخرج كتابي، فقبض على ثوبي ثم قال: "أمْلِهِ عَليَّ، فإني أخاف أن لا ألقاك"، فأمليتُه عليه، ثم أخرجت كتابي فقرأته عليه).
وعن ابن إسحاق قال: (سمعت مكحولًا يقول: "طُفتُ الأرض في طلب العلم"، وروى أبو وهب عن مكحول قال: "أعتقتُ بمصر، فلم أدَعْ بها عِلمًا إلا حويتُه فيما أُرَى، ثم أتيتُ العراق ثم أتيتُ المدينة، فلم أدع بهما علمًا إلا حويتُ عليه فيما أُرى، ثم أتيتُ الشام فغربلتُها"، وهذا من فطنته ومبادرته الزمان، خشية فوت الرواة، وموت المحدثين (١).
(١) وقد كان هذا مظهرًا من مظاهر القاعدة التي أرساها بعده الإمام الجليل=