للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تنفعه قطعًا في الآخرة، بل يجعلها الله هباء منثورا: {وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثْورً}.

وقال -عز وجل-: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالُهم كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء}، وقال تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب}.

استِخفَافُ السَّلَف الصاِلح بِأَعَراض الدنيَا

كبير الهمة على الإطلاق (١): هو من لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر وسعه، فلا يصير عبد عارية ببطنه وفرجه، بل يجتهد أن يتخصص بمكارم الشريعة، فيصير من أولياء الله وخلفائه في الدنيا، ومن مجاوريه في الآخرة، وصغير الهمة من كان على الضد من ذلك.

وكبير الهمة يُعَظِّمُه صِغَرُ الدنيا في عينيه، فيكون خارجًا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يُكثر إذا وجد.

ويكون خارجًا من سلطان فرجه، فلا يستحق له رأيًا ولا بدنًا.

ولما فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا حقيقة الدنيا، ومصيرهم إلى الآخرة، استوحشوا من زخرفها، وتناءت قلوبهم عن زينتها، وارتفعت هممهم فوق سفاسفها، وجعلوا الهموم همُّا واحدًا هو إرضاء الله -عز وجل-، ومجاورته في دار كرامته:


(١) "الذريعة" للأَصفهاني ص (١٩٠).

<<  <   >  >>