بعثت "بلقيس" إلى سليمان -عليه السلام- هدية لتمتحن بها قدر همته: فإن رأتها قاصرة، علمت أنها لا تصلح للمعاشرة، وإن رأتها عالية تطلب ما هو أعلى، تيقنت أنه يصلح:
{وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون * فلما جاء سليمانَ قال أتمدوننِ بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون} الآيات.
فالدنيا هدية بِلقيس، فارفضها، وتشوَّف إلى ما هو أنفس منها.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه - قال:
" من أراد الآخرة، أضَرَّ بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة (١)، يا قوم! فأضروا بالفاني للباقي".
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
ومن يذق طعم الحياة فإني خبرتُها ... وسيق إليَّ عَذْبُها وعذابُها
فلم أرها إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلابٌ هَمُّهُنَّ اجتذابها
فإن تجتنبها عشت سِلمًا لأهلها ... وإن تجتذبها ناهشتك كلابُها
(١) وفي حديث الثلاثة الذين هم أول من تُسَعَّر بهم النار بيان كافٍ لمدى هذا الضرر الذي نشأ عن همة خسيسة أرادت الدنيا بأعمال الآخرة.