من مقاضاته، أنفة من أن يقفا في موقف واحد مع سكران.
ونختم هذا الفصل بمثال فَذٍّ، بذل حياته لإعلاء كلمة الله، وهو الأستاذ سيد قطب -رحمه الله تعالى- وأعلى درجته في الشهداء، ذلك البطل الذي ارتضع منذ طفولته معاني العزة والكرامة والأنفة وشرف النفس، والذي عاش حياته "سيدًا"، وغادر الدنيا سيدًا، رافعًا رأسه، والذي عاش حياته "قطبًا"، وغادرها قطبًا في الدعوة والجهاد، ونتوقف فقط عند ساعاته الأخيرة في الدار الفانية، وقد طُلب إليه أن يعتذر للطاغية مقابل إطلاق سراحه، فقال:"لن أعتذر عن العمل مع الله"، وعندما طُلب منه كتابةُ كلمات يسترحم بها عبد الناصر قال:"إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، ليرفض أن يكتب حرفًا يُقِرُّ به حكم طاغية"، وقال أيضًا:"لماذا أسترحم؟ إن سُجِنتُ بحق، فأنا أقبل حكم الحق! وإن سُجنت بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل! ".
وفي إحدى الجلسات اقترب أحد الضباط منه، وسأله عن معنى كلمة "شهيد"، فردَّ عليه -رحمه الله- قائلًا:"شهيد: يعني أنه شهد أن شريعة الله أغلى عليه من حياته":
لعمركْ إني أرى مَصرعي ... ولكنْ أغُذُّ إليه الخُطا
لعمرك هذا ممات الرجالِ ... فمن رام موتًا شريفًا فذا (١)
...
(١) انظر: "سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد" ص (٦١ - ٦٢)، (٤٦٢)، (٤٧٤)، (٤٨١)، ومن نماذج الشموخ والاستعلاء على الجاهلية حتى في=