للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام أبو الفرج بن الجوزىِ -رحمه الله تعالى-:

(تأملت عجبًا، وهو أن كل شىء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله.

فإن العلم لما كان أشرف الأشياء، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار وهجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء: "بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر، لأن وقعت بيعها وقت سماع الدرس" ... ) اهـ.

ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: (وأما سعادته فلا يورثك إياها إلا بذل الوسع وصدق الطلب وصحة النية.

وقد أحسن القائل في ذلك:

فقل لمرجي معالي الأمور ... بغير اجتهاد: رجوتَ المحالا

وقال الآخر:

لولا المشقة ساد الناسُ كلُّهم ... الجود يُفْقِر والإقدام قَتَّالُ

ومن طمحت همته إلى الأمور العالية؛ فواجب عليه أن يشد على محبة الطرق الدينية، وهي السعادة، وإن كانت في ابتدائها لا تنفك عن ضرب من المشقة والكره والتأذي، وأنها متى أكرهت النفس عليها، وسيقت طائعة وكارهة إليها، وصبرت على لأوائها وشدتها أفضت منها إلى رياض مونقة، ومقاعد صدق، ومقام كريم، تجد كل لذة دونها لعب الصبي بالعصفور بالنسبة إلى لذات الملوك، فحينئذ حال صاحبها كما قيل:

وكنت أرى قد تناهى بي الهوى ... إلى غاية ما بعدها لي مذهبُ

<<  <   >  >>