السلوة"، فظن جلساؤه أنه يستدعي شرابًا، فأتاه بسفط (١) فيه كتب.
وقال أحمد بن عمران: (كنت عنه أبي أيوب أحمد بن محمد بن شجاع، وقد تخلف في منزله، فبعث غلامًا من غلمانه إلى أبي عبد الله الأعرابي صاحب الغريب يسأله المجيء إليه، فعاد إليه الغلام، فقال: قد سألته ذلك، فقال لي: "عندي قوم من الأعراب، فإذا قضيت أربي معهم أتيت"، قال الغلام: "وما رأيت عنده أحدًا، إلا أن بين يديه كتبًا ينظر فيها، فينظر في هذا مرة وفي هذا مرة"، ثم ما شعرنا حتى جاء، فقال له أبو أيوب:
"يا أبا عبد الله سبحان الله العظيم! تخلفتَ عنا، وحرمتنا الأنس بك، ولقد قال لي الغلام: إنه ما رأى عندك أحدًا، وقلت أنت: معي قوم من الأعراب، فإذا قضيت أربي معهم أتيت"، فقال ابن الأعرابي:
لنا جلساء ما نمل حديثَهم ... ألبَّاءُ مأمونون غيبًا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ... وعقلاً وتأديبًا ورأيًا مسددا
بلا فتنة تُخشى ولا سوءِ عشرة ... ولا نتقي منهم لسانًا ولا يدا
فإن قلت أموات فما أنت كاذبا ... وإن قلت أحياء فلست مُفْنِدا
ومن الطرائف: "أن الجاحظ كان يكتري الدكاكين من الوراقين، ويبيت فيها للنظر في الكتب".
قال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: (فسبيل طالب الكمال في طلب العلم: الاطلاع على الكتب التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر
(١) السَّفَط: وعاء من قضبان الشجر ونحوها، توضع فيه الأشياء، كالفاكهة ونحوها.