للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدنيا.

ويُروى أن الإمام أبا محمد بن حزم -رحمه الله - طلب العلم وهو في السادسة والعشرين من عمره، قال أبو محمد بن العربي: (وأقام أبو محمد في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه سِتًّا وعشرين سنة، وقال: "إنني بلغت إلى هذا السن، وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات".

وقال في رواية أخرى: (أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر، والخلق فيه، فجلس، ولم يركع، فقال له أستاذه -يعني الذي رباه- بإشارة: "أن قم، فصَلِّ تحية المسجد"، فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: "أبلغتَ هذا السن، ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟ " (١)، وكان قد بلغ حينئذ ستة وعشرين عامًا، قال: "فقمت، وركعت، وفهمت إذًا إشارة الأستاذ لي بذلك"، قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد، مشاركة للأحباء من أقرباء الميت، دخلت المسجد، فبادرت بالركوع، فقيل لي: "اجلس، اجلس، ليس ذا وقت صلاة"، فانصرفت عن الميت، وقد خزيت، ولحقني ما هانت على به نفسي، وقلت للأستاذ، دُلَّني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبى عبد الله بن دحون، فدلني، فقصدته من ذلك المشهد، وأعلمته بما جرى فيه، وسألت الابتداء بقراءة العلم، واسترشدته، فدلني على كتاب "الموطأ" لمالك بن أنس -رضي الله عنه - فبدأت به عليه قراءة


(١) وهي سنة عند جمهور الفقهاء، وواجبة عند أهل الظاهر.

<<  <   >  >>