جسده ويصفر، فكان علقمة بن قيس يقول له:"لم تعذب نفسك؟ "، فيقول "كرامتَها أريد" -وكان يصوم حتى يخضر جسده، ويصلي حتى يسقط، فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا له:"إن الله عز وجل لم يأمرك بكل هذا"، فقال:"إنما أنا عبد مملوك، لا أدع من الاستكانة شيئًا إلا جئت به".
وقيل لعامر بن عبد الله:"كيف صبرك على سهر الليل وظمأ الهواجر؟ "، فقال:"هل هو إلا أني صرفتُ طعام النهار إلى الليل، ونومَ الليل إلى النهار؟ وليس في ذلك خطيرُ أمرٍ". وكان إذا جاء الليل قال:"أذهب حَرُّ النارِ النومَ"، فما ينام حتى يصبح.
وعن الحسن قال: (قال عامر بن قيس لقوم ذكروا الدنيا:
"وإنكم لتهتمون؟ أما والله لئن استطعت لأجعلنهما همًّا واحدًا" قال: ففعل والله ذلك، حتى لحق بالله).
وعن أحمد بن حرب قال:"يا عجبًا لمن يعرف أن الجنة تُزَيَّنُ فوقه، والنار تُسَعَّرُ تحته، كيف ينام بينهما؟ ".
وكان أبو مسلم الخولاني قد علق سوطًا في مسجد بيته يخوف به نفسه، وكان يقول لنفسه:"قومي فوالله لأزحفن بك زحفًا حتى يكون الكلل منكِ لا مني"، فإذا دخلت الفترة تناول سوطه وضرب به ساقه، "أنت أولى بالضرب من دابتي"، وكان يقول:"أيظن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لنزاحمهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالًا".
وكان منصور بن المعتمر إذا رأيتَه قلتَ:"رجل أصيب بمصيبة"، منكسر الطرف، منخفض الصوت، رطب العينين، إن حركته جاءت عيناه بأربع -ولقد قالت له أمه: "ما هذا الذي تصنع بنفسك؟