إلى الشام .. وهناك سألت عن عالمِهم، فقيل لي:"هو الأسقف، صاحب الكنيسة"، فأتيته، وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم، وأصلي، وأتعلم .. وكان هذا الأسقف رجل سوء فِي دينه، إذ كان يجمع الصدقات من الناس ليوزعها، ثم يكتنزها لنفسه .. ثم مات .. وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلًا على دينهم خيرًا منه، ولا أعظم رغبة في الآخرة، وزهدًا في الدنيا، ودأبًا على العبادة .. وأحببته حبًّا ما علمت أنني أحببت أحدًا مثله قبله، فلما حضره قَدَرُه، قلت له:"إنه قد حضرك من أمر اللهِ ما ترى، فَبِمَ تأمرني، وإلى من توصي بي؟؟ ".
قال:"أي بُنَي، ما أعرف أحدًا من الناس على مثلِ ما أنا عليه إلا رجلًا بالموصل .. " فلما توفي، أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، فسألته، فدلني على عابد في "نصيبين" .. " فأتيته، وأخبرته خبري، ثم أقمت معه ما شاء الله أن أقيم، فلما حضرته الوفاة سألته، فأمرني أن ألحق برجل في عمورية من بلاد الروم، فرحلت إليه، وأقمت معه ... واصطنعت لمعاشي بقرات وغنيمات" .. ثم حضرته الوفاة .. فقلت له:"إلى من توصي بي؟ "، فقال لي:"يا بني ما أعرف أحدًا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظَلَّكَ زمانُ نبيٍّ يُبْعَث بدين إبراهيم حنيفًا .. يُهاجرُ إلى أرضِ ذاتِ نخل بين حَرَّتين؛ فإن استطعت أن تخلص إليه فافعل، وإن له آيات لا تخفى: فهو لا يأكل الصدقة ... ويقبل الهدية .. وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته".