للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأقبلت على عملي .. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي، ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء .. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: "إنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندى طعام نذرته للصدقة، فلما ذُكِرَ لي مكانكم، رأيتُكم أحق الناس به، فجئتكم به .. ". ثم وضعته، فقال الرسولُ لأصحابه: "كلوا باسم اللهِ" .. وأمسك هو فلم يبسط إليه يدًا ... فقلت في نفسي: "هذه واللهِ، واحدة ... إنه لا يأكل الصدقة" .. !! ثم رجعت، وعدت إلى الرسول عليه السلام في الغداة، أحمل طعامًا، وقلت له عليه السلام: "إني رأيتك لا تأكل الصدقة .. وقد كان عندى شيء أحِبُّ أن أكرمك به هدية"؛ ووضعته بين يديه، فقال لأصحابه: "كلوا باسم اللهِ ... "، وأكل معهم .. قلتُ لنفسي: "هذه واللهِ، الثانية .. إنه يأكل الهدية" .. !! ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه، وعليه شملتان مؤتزرًا بواحدة، مرتديًا الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظرَ أعْلَى ظهرهِ، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بُرْدَته عن كاهله، فإذا العلامةُ بين كتفيه .. خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي .. فأكببت عليه أقبله وأبكي .. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن.

ثم أسلمت .. وحال الرِّقُّ بيني وبين شهود بدر وأحُد .. وفي ذات يوم قال الرسول عليه السلام: "كاتِبْ (١) سيِّدك حتى يُعْتِقك"، فكاتبته، وأمر الرسول الصحابة كي يعاونوني، وحرر الله رقبتي،


(١) كاتَبَ السيدُ العبدَ: كتب بينه وبينه اتفاقًا على مال يُقسطه له، فإذا ما دفعه صار حُرًّا، فالسيد: مُكاتِب، والعبد: مكاتَب.

<<  <   >  >>