(ولا ينبغي للداعية أن يبتئس إن لم يجد فضل وقت لقيام الليل يوميًّا، والإكثار من ختمات القرآن، فإن ما هو فيه من الدعوة وتعليم الناس وتربية الشباب خير وأجزل أجرًا، وقدوته في ذلك ورائده أئمة الدعاة من السلف الصالح الذين كانوا يسيحون لنشر الدعوة وتبليغها، ويبادئون الناس بالكلام، ويحتكون بهم احتكاكًا هادفًا، ولا ينتظرون مجيء الناس لهم ليسألوهم.
هكذا كان شأن الدعاة دومًا، وعلى داعية اليوم أن يكون رحالة سائحًا في محلات مدينته، ومدن قطره، ييلغ دعوة الإسلام.
انظر مثلًا كيف كانت رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسيح في البوادي تبلغ الأعراب كلمة الِإسلام، وتبشر به، ولم يكن ثمة انتظار ورودهم إلى المدينة، ألا ترى أن الأعرابي الذي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أركان الِإسلام، فلما أخبره بها وقال: (لا أزيد عليهن ولا أنقص) كيف كان قد بدأ سؤاله بأن قال للنبي - صلى الله عليه وسلم-:
"يا محمد، أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ "(١).
أتاهم رسوله داعيًا، وكذلك الناس تُؤتَى، ومن انتظر أن يأتيه الناس فليس بداعية، ولو فصَّلت كلمة هذا الأعرابى لتبين لك كيف فارق هذا الصحابي الداعية المدينة لما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوم هذا، وكيف فارق أهله وبيته وأولاده، وكيف اجتاز المفاوز وصحراء من بعد صحراء، وكيف تعرض للمخاطر والحر أو البرد، ليبلغ دعوة الِإسلام.
وهذا شأن الدعوة التي تريد أن تصل إلى أهدافها، لا بد من تحرك