وسمعت بعض مشائخهم يحكي موقفًا تعرض له، إذ خرج للدعوة في حانة خمر في مدينة أوروبية، واستهدف رجلاً مسلمًا كان يجالس امرأة وهو يشرب الخمر، فوعظه، ونصحه، وذكره بالله، حتى لان قلبه، ودمعت عيناه، فأخذ بذراعه ليقوده إلى المسجد، وأخذت المرأة بذراعه الآخر، تنازعه فيه، وكانت الغلبة له بعد تجاذب شديد من الطرفين، وأتى به إلى المسجد، وعلَّمه كيف يتطهر، ويصلي، ثم تاب، وحسنت توبته. وهم يجتهدون في "ابتكار" الحيل الخيرية لجذب الناس إلى الدين، كذلك التبليغي الذى أراد دعوة طبيب مشهور، فدفع قيمة الفحص، ولما جاءت نوبته دخل عليه، فتهيَّأ الطبيب لفحصه، فإذا به يخبره أنه ليس بمريض، وإنما رغب أن يذكِّره بالله، وينصحه في الدين، وراح يفعل ذلك، حتى رق قلب الطبيب، وتأثر بموعظته، وأراد أن يرد عليه قيمة الكشف، فأبى قائلاً: "هذه قيمة ما استغرقته من وقتك" ...
ومن ذلك: أنه لما صعد الإنسان إلى القمر، قال أحدهم: "ولو صعد الناس إلى القمر، وتحول بعض منهم عن الأرض، لنرسلنَّ وراءهم قافلة تخرج في سبيل الله، وتصعد إلى القمر لتدعوهم".
ويقول الأستاذ الراشد حفظه الله:
(حركة التبليغ أجادت غرس الثقة في دعاتها، وبخطبة واحدة يتعلمونها يجوبون الآفاق، ويواجهون المجتمع، وآخرون يأمرون إخوانهم بضم الرأس، ويقولون لفتى الصحوة: "أنت في خندق،
(١) "لطائف من سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والسلف" ص (١٨٨).