للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان المعلمون في الكتاتيب والمساجد والأزهر الشريف إذا لمسوا في طفل النجابة وسرعة التعلم، احتضنوه، وساعدوه على طلب العلم، وزودوه بالمال من مالهم الخاص، أو من الأوقاف.

وكان في طليعة المشجعين لطلبة العلم الخلفاء والأمراء، روى البخاري في "صحيحه" أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدُخل ابن عباس رضي الله عنهما -وهو غلام حدث- مع أشياخ بدر، قاله أبن عباس: (فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: "لِم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ " فقال عمر: "إنه من حيث علمتم"، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رُؤيت أنه دعاني يومئذ إلا ليرِيهم، قال: ما تقولون في قوله الله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح}؟ فقال بعضهم: "أمِرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نُصِرنا، وفتِح علينا"، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا: فقال لي: "أكذاك تقول يا أبن عباس؟ " فقلت: "لا"، قال: "فما تقول؟ "، قلت: "هو أجلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه له، قال: {إذا جاء نصر الله والفتح} وذلك علامهّ أجلك، {فسبح بحمد ربِّك واستغفره إنه كان توابًا} "، فقال عمر: "ما أعلم منها إلا ما تقول").

وهكذا كان أمير المؤمنين يقَوِّي ثقته بنفسه، ويغذي همته، ويربأ به عن احتقار الذات أو الشعور بالدونية والنقص، وقد روى البخاري في "صحيحه" أيضًا أنه رضي الله عنه سأل بعض الصحابة عن آية في القرآن الكريم فلم يعرفوا الإجابة، وكان بينهم عبد الله بن عباس، وهو صغير السن، فقال: "فِي نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين"، قال عمر: "يا ابن أخي قل، ولا تحقر نفسك"، فأجابه.

<<  <   >  >>