للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنار مثوى لهم}.

فهم كالأنعام ليس لهم هَمٌّ إلا تحصيل الشهوات:

كالعير ليس له بشيء همَّةٌ ... إلا اقتضام القَضْبِ (١) حول المِذودِ (٢)

كما أن الأنعام تسهو، وتلهو بالطعام، وتغفل عن عاقبة النحر والذبح بعده، وهوًلاء أيضا ساهون عما في غدهم.

وهم أضل من الأنعام، لأنها تبصر منافعها ومضارها، وتتبع مالكها، وهم بخلاف ذلك، قال عطاء: "الأنعام تعرف الله، والكافر لا يعرفه".

وصف سعد بن معاذ -رضي الله عنه- المشركين، فقال: "رأيت قومًا ليس لهم فضل على أنعامهم، لا يهمهم إلا ما يجعلونه في بطونهم وعلى ظهورهم، وأعجب منهم: قوم يعرفون ما جهل أولئك، ويشتهون كشهوتهم".

وإنك إن أعطيت بطنك سُؤْلَه ... وفرجَكَ نالا منتهى الذم أجمعا

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "إياكم والبِطْنَة في الطعام والشراب؛ فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة"، ووصف الشاعر أكولًا، يستغرق حياته في نهمه وشهوته، فقال:

عريضُ البِطانِ (٣) جديد الخوان ... قريب المَراث (٤) من المرتعِ

فنِصفُ النهارِ لكِرْياسِه (٥) ... ونِصفٌ لمأكلِهِ أجمعِ

وعن محمد بن الحنفية قال: "من كَرُمت عليه نفسه، هانت عليه


(١) القَضْب: ما أكل من النبات المقتَضَب (المقطوع) غَضًّا.
(٢) المِذْوَد: مُعْتَلَف الدابة.
(٣) أصل البطان: حزام القتب الذي يجعل تحت بطن الدابة، ولعله يريد به كبر بطنه.
(٤) المراث: مكان الروث.
(٥) الكِرياس: الكنيف الذى يكون مشرفًا على سطح بقناة إلى الأرض.

<<  <   >  >>