للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَذْهَبِ السَّلفِ وَمَذْهَبِ الحَشوِيَّة، بأنَّ مَذْهَبَ الحَشْوِيَّةِ وُرودُ ما يَتَعَذَّرُ التّوصُّلُ إلى مَعْناهُ المُرادُ مُطْلَقًا، فالاسْتِواءُ- مَثلا- عِنْدَهُمْ لَهُ مَعْنًى يَتَوصَّلُ إِلَيْهِ بِمُجَرَّدِ سَماعِهِ كُلُّ مَنْ يَعْرفُ المَوْضوعاتِ اللُّغَويَّةَ، إلا أنَّهُ غَيْرُ مُرادٍ؛ لأنه خِلافُ ما يَقْتَضيهِ دَليلُ العَقْلِ والنَّقْلِ، ومَعْنًى آخَرُ يَليقُ بهِ- تَعالى- لا يَعْلَمه إلا هو عز وجل. وكَيْفَ يَكونُ مَذْهَبُ السَّلَفِ هو مَذْهَب الحَشْوِيَّة، وَقَدْ رَأى الحَسَنُ البَصريّ الَّذي هو مِنْ أكابِرِ السَّلَفِ سُقوطَ قَوْلِ الحَشْوِيَّة، وَلَمْ يَرْضَ أنْ يَقْعُدَ قائلُهُ تُجاهَهُ؟! والمَقْصودُ أنَّ أهْلَ الباطِلِ مِنْ المُبْتَدِعَة رَموا أهْلَ السنُّةِ والحَديثِ بمِثل هَذا اللَّقَبِ الخَبيثِ. قال أبو مُحَمَّدٍ عبدُ اللهِ بنُ قُتَيْبَةَ في "تأويلِ مُخْتَلِفِ الأحاديثِ ": "إنَّ أصْحابَ البدَعِ سَمَّوا أهْلَ الحَديثِ بِالحَشوِيّة، والنَّابِتة، والمُتَجبَرٍّةِ، والجبرية، وسَمَّوهُم الغثاءَ، وهذه كُلُّها أنباز لم يأتِ بِها خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كما أتى في القَدَرِيَّة أنّهُمْ «مَجوسُ هَذِهِ الأمَّةِ، فإِنْ مَرِضوا فَلا تَعودوهُمْ، وإنْ ماتوا فَلا تَشْهَدوا جَنائزَهُمْ» . وفي الرَّافِضَةِ: «يَكونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمانِ يُسَمَّوْنَ الرَّافِضة، يَرْفُضونَ الإِسلامَ وَيَلْفُظونَهُ، فاقتلوهم، فإنهم مشركون» وفي المرجئة: «صِنْفانِ مِنْ أُمَّتي لا تَنالُهُم شَفاعتي، لُعِنوا على لِسانِ سَبْعينَ نَبِيًّا: المُرْجِئَةُ والقَدَرِيّة» . وفي الخوارج: «يَمْرُقونَ مِنَ الإِسلامِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيّةِ» ، و «كِلابُ أهْلِ النّارِ» . هذه أسماء مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتِلْكَ أسْماءٌ مَصنوعَةٌ انتهى. وفي "الغُنْيَةِ" (١) أنَّ الباطِنِيَّةَ تُسَمِّي أهلَ الحديثِ "حَشْوِية" لِقولهم بالأخبارِ وتَعَلُّقهم بِالآثار. وفِي كِتابِ "حُجَّة الله البالِغة" (٢) "واسْتطالَ هؤلاءِ الخائِضونَ عَلى مَعْشَرِ أهْلِ الحديثِ، وسَمَّوْهُمْ مُجَسِّمَةً، ومُشَبِّهَةً، وقالوا: هُمُ المُتَسَتِّرونَ بِالبَلْكَفَة (٣) وَقَدْ وَضَحَ لَدَيَّ وُضوحًا بَيِّنًا أنَّ اسْتِطالَتَهُمْ هَذِهِ ليستْ بِشَيْءٍ، وأنَّهم مُخْطِئونَ في مَقالتِهِم رِواية وَدِرايةً، وخاطِئونَ في طَعْنِهِمْ أئمَّةَ الهُدى انتهى.

وَقَدْ قَالَ العَلاَّمَةُ ابنُ القَيِّمِ في "كافِيَتِهِ الشَّافِيَةِ": "فَصْل في تَلْقيبِهِمِ أهلَ السُّنَّةِ بِالحَشْوِيّة، وبيان مَنْ أوْلى بِالوصفِ المَذمومِ


(١) للشيخ عبد القادر الجيلاني.
(٢) لشاه ولي الله الدهلوي.
(٣) من كلمة "بلا كيف".

<<  <  ج: ص:  >  >>