(٢) وذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: أن الكلام في هذه المسألة - أي زكاة المعادن - في أربعة فصول: أحدها: صفة المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة: وهو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة ... الفصل الثاني: في قدر الواجب وصفته: قدر الواجب فيه: ربع العشر، وصفته أنه زكاة، وهذا قول: عمر بن عبد العزيز، ومالك، وقال أبو حنيفة، الواجب فيه الخمس وهو فيء واختاره أبو عبيد، وقال الشافعي: هو زكاة، واختلف قوله في قدره كالمذهبين ... الفصل الثالث: في نصاب المعدن: وهو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالاً، ومن الفضة مائتي درهم، أو قيمة ذلك من غيرهما، وهذا مذهب [أحمد] [و] الشافعي. وأوجب أبو حنيفة الخمس في قليله وكثيره، من غير اعتبار نصاب بناء على أنه ركاز لعموم الأحاديث التي احتجوا بها عليه؛ ولأنه لا يعتبر له حول فلم يعتبر له نصاب كالركاز؛ لكن يرد عليه بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) وهو مفارق للركاز؛ لأن الركاز مال كافر أخذ في الإسلام فأشبه الغنيمة، وهذا وجب مواساة وشكراً لنعمة الغِنى، فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات؛ وإنما لم يعتبر له الحول؛ لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار. الفصل الرابع في وقت الوجوب: تجب الزكاة فيه حين يتناوله ويكمل نصابه ولا يعتبر له حول، وهذا قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وقال إسحاق وابن المنذر لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) ولكن رد ابن قدامة هذا وقال: ((ولنا أنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حول: كالزروع، والثمار، والركاز؛ ولأن الحول إنما يعتبر لغير هذا في تكميل النماء، وهذا يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلا يعتبر له حول. كالزروع، والخبر مخصوص بالزرع والثمر، فيخص محل النزاع بالقياس عليه، إذا ثبت هذا فلا يجوز إخراج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته كعشر الحب)) [انظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٣٨ - ٢٤٥]. وحجة من قال بالزكاة في المعادن حديث بلال بن الحارث - رضي الله عنه -: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ من المعادن القبلية الصدقة)) قال الحافظ ابن حجر: ((رواه أبو داود)). قال الإمام ابن باز رحمه الله في حاشيته على بلوغ المرام، الحديث رقم ٥٩٦: ((أخرجه أبو داود في باب إقطاع الأرضين، ص٣١١ جمن عون المعبود عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مرسلاً بإسناد صحيح بلفظ: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، - وهي في ناحية الفُرع - قال: فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم)) ... ثم ذكر رحمه الله أن أبا داود أخرجه من طريقين [برقم ٣٠٦٢، ورقم ٣٠٦٣] أحدهما ضعيف والثاني صحيح وليس في الطريقين المذكورين قوله في طريق ربيعة ((فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم)) ثم قال ابن باز رحمه الله: وهذه الروايات الثلاث غير مطابقة لِمَا ذكره المؤلف - يعني ابن حجر في بلوغ المرام - ولم أجده بلفظ المؤلف المذكور في سنن أبي داود رحمه الله. وقال صاحب العون في الشرح: والحديث المذكور مرسل عند جميع رواة الموطأ، ووصله البزار .... قاله الزرقاني انتهى)) [حاشية العلامة ابن باز على بلوغ المرام، الحديث رقم: ٥٩٦] ثم رجح ابن باز رحمه الله أن في المعدن الزكاة إذا بلغ النصاب، وكذلك أيضاً إذا حال عليه الحول، فقد سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٦٤٥، وتقريره على المنتقى، الأحاديث رقم ٢٠١٣ - ٢٠١٤ يقول عن الحديث المذكور: ((ليس فيه دلالة ظاهرة على أنه يأخذ الزكاة بدون حول، بل فيه الإفادة أنه أخذ منه الصدقة فقط، والمعادن ظاهرها شامل: للذهب والفضة وغيره مما له قيمة، والصواب أن فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، سواء كان ذهباً، أو فضة، أو غيره من أنواع المعادن)). [وانظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٣٨ - ٢٤٧، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٦/ ٥٧٤ - ٥٨٦، والكافي لابن قدامة، ٢/ ١٥٣ - ١٥٦].