للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (١)، والمعنى الثاني: يكون إذناً وإباحة (٢).

١٤ - المعاصي تلقي الخوف والرعب في القلوب، فلا ترى العاصي دائماً إلا خائفاً مرعوباً؛ فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة، ومن خرج منه أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقّه أمناً، ومن عصاه انقلبت مآمنه منه مخاوف، فمن خاف الله أمَّنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء (٣).

١٥ - تُمْرِضُ القلب، وتَصْرِفُهُ عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، وتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب، ولا دواء لها إلا تركها، وكما أن من نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه، فكذا يكون قلبه في هذا الدار في جنة عاجلة لا يشبه نعيم أهلها نعيماً البتة، ولا تحسبن أن قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (٤) مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم الثلاثة: دار الدنيا، والبرزخ، والقرار، فهؤلاء في نعيم، وهؤلاء في جحيم، وهل النعيم إلا نعيم القلب، وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ ولهذا قال بعض الصالحين: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. ويقول آخر: لو علم الملوك وأبناء الملوك


(١) سورة فصلت، الآية: ٤٠.
(٢) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص١٣٢، وجامع الأصول، لابن الأثير، ٣/ ٦٢١.
(٣) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص١٤٣ - ١٤٤.
(٤) سورة الانفطار، الآيتان: ١٣ - ١٤.

<<  <   >  >>