وتجرئ عليه أهله، وخدمه وأولاده، وجيرانه، وهذا يكفي في قبح المعاصي. والله المستعان (١).
٤٢ [٤] تضعف العبد أمام نفسه، وهذا من أعظم عقوبات المعاصي، فإنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن كل أحد يحتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده، وأعلم الناس أعرفهم بذلك على التفصيل، والمعاصي تخون العبد في تحصيل هذا العلم وإيثار الحظ العالي الدائم على الحظ الخسيس المنقطع، فتحجبه الذنوب عن كمال هذا العلم، وعن الاشتغال بما هو أولى به وأنفع له في الدارين، فإذا وقع في مكروه واحتاج إلى التخلص منه خانه قلبه ونفسه وجوارحه، وكان بمنزلة رجل معه سيف قد غشيه الصدأ، ولزمه في غمده بحيث لا ينجذب إذا جذبه، فعرض له عدوّ يريد قتله، فوضع يده على قائم سيفه واجتهد ليخرجه فلم يخرج معه، فدهمه العدو وظفر به، فكذلك القلب يصدأ بالذنوب، ويصير مثخناً بالمرض، إذا احتاج إلى محاربة العدو لم يجد معه منه شيئاً، والعبد إنما يُحارب ويُصاول ويُقدم بقلبه، والجوارح تبع للقلب.
والمقصود أن العبد إذا وقع في شدّة أو كربة أو بليِّة خانه قلبه، ولسانه، وجوارحه عما هو أنفع شيء له، فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله تعالى والإنابة إليه، والتذلّل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فحينئذٍ يذكره بقلب لاهٍ ساهٍ غافل، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له، ولم