خاض الناس في شأن أبي حنيفة فمنهم من جرح، ومنهم من عدّل، ومنهم من غلا فيه، واعتبر المتكلمين فيه مخطئين، بل لا يكتفون بذلك بل يشنّعون على من تكلم فيه ويقدحون فيه كما يفعل بعض جهلة الحنفية.
ومرّ بي وأنا أطالع في «مشكل الآثار» للطحاوي بتحقيق شعيب الأرناؤوط، التشنيع من شعيب على الشيخ ناصر الدين الألباني لأنه يضعف أبا حنيفة وكأنه ما ضعف أبا حنيفة إلا الشيخ الألباني حفظه الله -رحمه الله-.
بل عند الحنفية ما هو أعظم فراجع «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل» للشيخ عبد الرحمن المعلمي تجد أن الكوثري قد طعن في علماء الإسلام سابقهم ولاحقهم من أجل أن طعنوا في أبي حنيفة، فرأيت أن أجمع ما صح لي بالأسانيد الصحيحة من كتب أئمة الحديث في جرح أبي حنيفة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة، وسميته:
«نشر الصحيفة في الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة»
وقد حكى ابن أبي داود كما سيأتي إن شاء الله في ترجمته أن المحدثين أجمعوا على جرحه.
ولم أعرّج على أقوال المعدّلين إما أن يكونوا ممن لا يعتد بكلامهم مع كبار أئمة الجرح والتعديل، وإما أن يكونوا من الغلاة في أبي حنيفة، وأما أن يكونوا من الأئمة كسفيان الثوري وكعبد الله بن المبارك، ومن جرى مجراهما، ولكنه قد رجع وتبرأ مما حصل منه من الثناء، وحذّر من أبي حنيفة بل طعن فيه، فهذا أبو زكرياء يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل صح عنه توثيقه وصح عنه الطعن فيه، والذي يظهر لي أنه يفسر كلامه بكلامه، فقد سئل عنه فقال: هو أنبل من أن يكذب، وقد جرحه كما سيأتي في ترجمته