للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

متفاوتةٌ، فهو مربِّي الأشباحِ بأنواع نِعَمه، ومربِّي الأرواحِ بأصناف كرمِه، ومربِّي نفوسِ العابدِينَ بأحكام الشَّريعة، ومربِّي قلوب العارفينَ بآداب الطَّريقةِ، ومربِّي أسرار الأبرارِ بأنواع الحقيقةِ، ولقد أحسنَ مَن قال: إنّه تعالى يملِك عبادًا غيرَك كما قال: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: ٣١] وأنتَ ليس لك ربّ سواه، ثمَّ إنكَ تتساهل في خدمته كأنَّ لكَ ربًّا غيرُه، وهو يعتَني في تربيتك كأنْ ليس له عبدٌ سِواكَ، يحفظكَ بالنَّهار عن الآفاتِ بلا عِوَضٍ، ويحرسُك باللَّيل عن المخافاتِ من غيرِ غرضٍ، فما أحسنَ هذه التريبة!

ومنه قوله في تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٦]: وزيادة ﴿هُمْ﴾ لأنَّ غيرهم يتَّعظون باختبارهم أنَّ سنَّة الله تعالى أنْ لا يُخْليَ أرباب التكليف من دلائل التَّعريف، والتّحريكِ لهم في كلِّ وقتٍ بنوعٍ من البيان، والتَّعريكِ في كل أوان بضربٍ من الامتحان، فمنهم مَن لا يزداد بإيضاح البرهان إلا زيادة الخذلان، والحجبةَ عن قرائر البيان.

ومنه عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [يوسف: ٦٧] قال: مما قضَى عليكم مما أشرْتُ به إليكم؛ أي: لا نفعُ ولا أرفعُ إن أراد الله بكم شيئًا، ولم يُرِدْ به اتِّقاء الحذر عن إلقاء النفس إلى محلِّ الخطر، ببيانِ عدم التأثير للتدبير في تغيير ما في التقدير؛ لأنَّه لا يناسب شأن النبيِّ ﵇ أن يوصيَ بشيء على وجه الاهتمام ببنيه الكرام ثم يبطلَه ويُظهِرَ أنه من خطَرات الأوهام، بل أراد دفع ما يخطر بالبال عند سماع مثل هذا المقال من معارضة التقدير بالتدبير بحسب الظاهر المتبادر إلى الأفهام، بما مرجعه إلى أن الحذر

<<  <  ج:
ص:  >  >>