الحمدُ لله الذي أنزل كتابًا غيرَ ذي عِوَج، وأرسل رسولَه بالبيِّنات والحُجَج، والصلاةُ والسلامُ على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومَن والاه إلى يوم الدِّين.
وبعد:
فإنَّ القرآن كتابُ الله المنزل ومنهجُه القويم، وهو المعجزةُ العُظْمَى والآيةُ الكُبرى إلى يوم الدِّين، مستمرًّا في التحدِّي على مرِّ السنين، ومبكِّتا بالحجة كلَّ المعاندين، آتياً مِن أساليبِ البَلَاغةِ بالعَجَبِ العُجَاب، راقياً مِن ذُرَى الفصاحةِ مَرْقًى لا يُجاب، تحدَّى العرب في أعظمِ شيءٍ بَرَعوا به، فإنَّ العربَ الذين بُعِثَ فيهمُ النَّبيُّ ﷺ كانوا قد بلَغوا مِن الفصاحةِ والبلاغةِ وأَفانينِ الكلام الغايةَ التي ظنُّوا أنْ ليس بعدَها غاية، فتحدَّاهم أوَّلاً أنْ يأتوا بمثْلهِ فقال: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤]، فلمَّا عَجَزوا تحدَّاهم بعشرِ سورٍ فقال: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [هود: ١٣]، ثُم لمَّا ظَهرَ عَجزُهم تحدَّاهم بمقدارِ سورةٍ فقال: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] حتى أَعْجَزَ عن الإتيان بأقصر سورةٍ منه العربَ الفُصَحاء، وأَفْحَمَ مَن رام معارضتَه من البلغاء، فأطبق المعاندون على أن طوقَ البشر قاصِرٌ عن الإتيان بمثله.