ومنه عدمُ إعجابه بما ذهب إليه الزمخشري من تعليق قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ٢١] بقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ وهو الوجه الذي اقتصر عليه الزمخشري، وجعله أبو حيان من روائح الاعتزال.
وهذا غيضٌ من فيضٍ، وسيأتي له أمثلة كثيرةٌ أخرى إن شاء الله.
٤ - ومن ميزات هذا التفسير أيضًا كثرة الاستنباطات والاجتهادات مما لا يوجد في أي كتاب آخر:
وهذا كثيرٌ جدًّا في هذا الكتاب، وهو نابعٌ من شخصية مؤلفه الموسوعية، ومن قوَّة عقله وعُمق نظره، وسعة علمه وحسن تحريره:
فمن ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] قال: أي: (ولا تكونُنَّ على حالٍ سوى الإسلامِ حينَ الموتِ، فالمنهيُّ كونهم على حالٍ غير الإسلام عندَ موتهم، لا موتُهم.
ثم قال: هذا ما عندَهم، والذي عندي: هو أنَّ النهيَ المذكورَ للتحذيرِ عن الموت على حالٍ سوى الإسلامِ، والحذرُ عنه إنما يكونُ بالاحترازِ عما يُفضي إليهِ، فهو حثٌّ على الثباتِ على الإسلام في جميعِ الأزمانِ على أبلغ وجهٍ، وعلى هذا لا عدولَ عن الظاهرِ، بخلافِ ما قالوه).
وعند تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [الأنبياء: ٤٢] قال: (قيل: في ذكر اسم ﴿الرَّحْمَنِ﴾ تنبيهٌ على أنْ لا كالئ غيرُ رحمته العامة، وأنَّ اندفاع البأس عن النَّاس لا يكون إلَّا بها).
ثم تعقب ذلك بقوله:(وعندى أنَّ التَّنبيه فيه على أنَّ رحمته العامة لا تمنعه عن الغضب، فلا تغتروا بها، ولا يخفى أنَّ هذا هو الأنسب للمقام).