ولم يخلُ هذا التفسير من بعض العبارات اللطيفة التي قد تكون أقرب إلى كلام أهل الإشارة، لكنها مع ذلك لا تخرج عما في القرآن من العبارة، كما وقع عند بعض المنتمين إلى الصوفية، من الخروج بالكليَّة عن الألفاظ القرآنية والمعاني الربانية، وما ذكره المؤلف بعضُه منقول عن أهل هذا الفن، وبعضه عن غيرهم، ومنه ما هو من إنشاءاته الجميلة وعباراته البديعة.
فمن عباراته الجميلة قولُه في أول الفاتحة ملخِّصًا ما قيل في اشتقاق الإله: فمجموع الأقاويل: هو المعبودُ للخواصِّ والعوامِّ، المفزوعُ إليه عند الأمور العِظامِ، المرتفِعُ عن الأوهامِ، المُحتجِبُ عن الأَفهامِ، الظاهرُ بالأَعلامِ، الذي تحيَّر في صفاته الأَحلامُ، وسَكنَتْ في عبادتِه الأَجسام، ووَلعَتْ به نفوسُ الأنام، وطرِب إليه قلوبُ الكرام.
وقال أيضًا في تفسير سورة الفاتحة: وإنَّما خصَّ إضافةَ (مَلِك) إليه لأنَّ الأملاك يومئذٍ زائلةٌ، قال الله تعالى: ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٩]، فكأَنَّه يقول: خلقتكَ أولًا فأنا إلهٌ، ثمَّ ربيتكَ بوجوه النِّعمة فأنا ربّ، ثمَّ عصيتَ فسترتُ عليكَ فأنا رحمن، ثم تُبتَ فغفرتُ لكَ فأنا رحيم، ثمَّ لا بدَّ من إيصال الجزاءِ إليك فأنا مالكُ يوم الدِّينِ.
ومن ذلك قوله: ثمَّ إنَّ ربوبيَّته تعالى بمعنى الخالِقيَّة والمالِكيَّة والسَّيِّديّة والمَعبوديَّة عامَّةُ، وبمعنى التَّربية والإصلاح خاصةٌ، بحسب أنواعِ الموجوداتِ