فلا عَجَبَ أنْ تسابَقَ العلماءُ وتسارَع الفضلاء منذ فجر الدعوة إلى خدمته، وبيانِ ما دقَّ من معانيه، وفتح ما اسْتَغْلَقَ من مَبَانيه، فأَبدعوا في تفسيره الكثيرَ من المصنفات، التي كان بعضُها مطوَّلاتٍ شِبْهَ الموسوعات، وبعضُها موغلاً في الاختصار، ومنها ما أجاد وأفاد لكنْ قد شابَهُ شيءٌ من دَرَن الإسرائيليات أو دخَن الأفكار.
أمَّا هذا التفسير الذي بين أيدينا فكان وسطاً بين التفاسير بالتوسُّطِ بين الطُّولِ والقِصَر، مع نفي دَخَنَ تلك الفِكَر، وهو مع ذلك جامعٌ للفوائد، مشتمِلٌ على النكت والعوائد، بما أبدعتْهُ قريحةُ مؤلِّفه من الزوائد، وأَوْراهُ زنادُ فكره من الفرائد، هذا مع وضوحِ العبارةِ، وقوَّةِ التَّحريرِ وحُسنِ الإشارة.
وإنَّ الباحث في سيرورةِ مؤلِّفه العلَّامةِ الجليل ابنِ كمال الوزير ليجدُ عنايته الفائقةَ بتفسير القرآن الكريم، واهتمامَه البالغَ ببيان معانيهِ، والدلالةِ على مواطن الإعجاز فيه، فرسائلُه الكثيرة قد خصَّ التفسيرَ بقسطٍ منها كبير، وحتى التي ألَّفها في مسائل أخرى كالنحو مثلاً تجد جانباً كبيراً منها يتناول ما يتعلق بتلك المسألة في الآيات القرآنية.
والمؤلفُ ﵀ يمكن اعتبارُه من أصحاب المدرسة الزمخشريَّة، التي كان أساسُها "الكشاف"، وكانت منطلَقاً لحركةٍ هائلةٍ في التأليف والتفسير، والتحشية والتعليق والتحرير، وليس تفسيرُ البيضاويِّ والنَّسفيّ، وأبي السُّعود والآلوسيّ، وغيرِها، ومعها مئاتُ الحواشي والتعليقات، سوى نتائج هذه المدرسة، عدا عن أن أكثر مَن جاء بعد الزمخشريِّ قد كان له تأثُّر بهذا التفسير وإن تفاوتت الدرجات، فالمتعمِّق في "بحر" أبي حيان مثلاً يجد تأثير "الكشاف"