للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما رآهم علي مختلفين قال: أخرجوني من هذه البيعة واختاروا لأنفسكم من أحببتم، فسكتوا وقاموا وخرجوا، فدخل عليه المغيرة بن شعبة «١» فقال: يا أمير المؤمنين! إني مشير عليك بخلال ثلاث فافعل أيها شئت، فقال: ما هي يا أعور؟

فقال: إني أرى من الناس بعض التثاقل فيك؛ فأرى أن تأتي بحمل ظهر فتركبه وتركض في الأرض هاربا من الناس، فإنهم إذا رأوا ذلك منك ابتاعوا جمالا أظهر من جمالك وخيولا، ثم ركضوا في أثرك حتى يدركوك حيث ما كنت ويقلدوك هذا الأمر على اجتماع منهم شئت أو أبيت، فإن لم تفعل هذا فأقرّ «٢» معاوية على الشام كله واكتب إليه كتابا بذلك تذكر فيه من شرفه وشرف آبائه وأعلمه أنك ستكون له خيرا من عمر وعثمان، واردد عمرو بن العاص على مصر، واذكر في كتابك شرفه وقدمه، فإنه رجل يقع الذكر منه موقعا، فإذا ثبت الأمر أذنت لهما حينئذ في القدوم عليك تستخبر هما عن البلاد والناس، ثم تبعث بعاملين وتقرهما «٣» عندك؛ فإن أبيت فاخرج من هذه البلاد فإنها ليست ببلاد كراع وسلاح.

فقال علي: أما ما ذكرت من فراري من الناس فكيف أفر منهم وقد بايعوني، وأما أمر معاوية وعمرو بن العاص فلا يسألني الله عن إقرارهما ساعة واحدة في سلطاني وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً، وأما خروجي من هذه البلاد إلى غيرها فإني ناظر في ذلك. فخرج من عنده المغيرة ثم عاد وهو عازم على الخروج إلى الشام واللحوق بمعاوية، فقال له: يا أمير المؤمنين! أشرت عليك بالأمس في رأيي بمعاوية وعمرو، إن الرأي أن تعاجلهم بالنزع، «٤» فقد عرف السامع من غيره، وتستقبل «٤» أمرك، ثم خرج من عنده فلقيه ابن عباس خارجا وهو داخل، فلما انتهى إليه قال: رأيت المغيرة خارجا من عندك، فيم جاءك؟ قال: جاءني أمس برأي


(١) راجع أيضا الطبري ٥/ ١٥٩.
(٢) في الأصل: فاقدر.
(٣) في الأصل: تفرهما.
(٤- ٤) وفي الطبري: فيعرف السامع من غيره ويستقبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>