للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصندوق، وشالوا إليه الرأس، فغسله الديراني ووضعه على فخذه وجعل يبكي الليل كله عليه، فلما أن أسفر عليه الصبح قال: يا رأس! لا أملك إلا نفسي، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك رسول الله، فأسلم النصراني وصار مولى للحسين، ثم أحدر الرأس إليهم فأعادوه إلى الصندوق ورحلوا، فلما قربوا من دمشق قالوا: نحب أن نقسم تلك الدنانير، لأن يزيد إن رآها أخذها منا، ففتحوا الصندوق وأخرجوا الجراب بختمه وفتحوه، فإذا الدنانير كلها قد تحولت خزفا، وإذا على جانب من الجانبين من السكة مكتوب وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ وعلى الجانب الآخر سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، قالوا: قد افتضحنا والله! ثم رموها في بردى «١» نهر لهم، فمنهم من تاب من ذلك الفعل لما رأى، ومنهم من بقي على إصراره، وكان رئيس من بقي على ذلك الإصرار سنان بن أنس النخعي.

ثم أركب الأسارى من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء والصبيان أقتابا يابسة مكشفات الشعور، وأدخلوا دمشق كذلك «٢» ، فلما وضع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينقر ثنيته بقضيب كان في يده ويقول: ما أحسن ثناياه «٣» ! قد ذكرت كيفية هذه القصة وباليتها في أيام بني أمية وبني العباس في كتاب الخلفاء، فأغنى عن إعادة مثلها في هذا الكتاب لاقتصارنا على ذكر الخلفاء الراشدين منهم في أول هذا الكتاب.

وقد بعث يزيد بن معاوية مسلم «٤» بن عقبة المزني إلى المدينة لست ليال بقين من ذي الحجة سنة ست وستين، فقتل مسلم بن عقبة بالمدينة خلقا من أولاد


(١) في الأصل: بردا، وراجع أيضا معجم البلدان.
(٢) راجع السمط ٣/ ٨٥.
(٣) راجع السمط والطبري ٦/ ٢٦٧ أيضا.
(٤) من السمط ٣/ ٥٩، وفي الأصل بياض.

<<  <  ج: ص:  >  >>