وله أن أمة أرادت أن تبلغ ما بلغته مصر عن طريق الأزهر من مكانة سامية، وقيادة روحية لدول العالم الإسلامي، لما استطاعت ذلك ولو بذلت في سبيله أضعاف ما تنفقه على الدعاية لنفسها لمئات السنين.
إن عالمًا واحدًا يوفده الأزهر إلى أي بلد إسلامي في العالم، ويتمكن من أداء رسالته على الوجه الأكمل يستطيع -مع توفيق الله وحسن رعايته- أن يؤثر في ذلك البلد تأثيرًا طيبًا لا تستطيعه كل أجهزة الدعاية والإعلام.
إن الأزهر هو الورقة الرابحة لمصر حتى الآن، تستطيع من خلاله -بعد تدعيمه والعناية بشأنه- أن تتصدر به دول العالم، وأن تستعيد به الكثير مما ضاع في فترات الضعف والتخاذل.
إنه الدعامة الطيبة للمسلمين في كل آفاق الأرض، يستطيعون أن يؤكدوا دوره في نشر تعاليم الإسلام، ويلتفوا حول ما ينادي به من دعوة إلى العمل بالكتاب والسنة، والتأليف بين القلوب لتجتمع على كلمة الله.
إن تعاليم الدين تفعل في النفوس فعل السحر، وقد حمى الله الدين بالأزهر، وما من عالم من علماء الإسلام في أي بلد من بلاد الدنيا منذ ألف سنة أو يزيد إلا وللأزهر في عنقه دين وله عليه فضل، ومن أجل هذا تعلق المسلمون عن طريق علمائهم بالأزهر، وأحبوا البلد الذي حل فيه الأزهر، وتعمقت جذور هذا الحب على تتابع الأجيال منذ مئات السنين، فأوفدوا إليه أبناءهم من أقاصي الأرض، واستعذبوا مفارقتهم -وهم فلذات الأكباد- في سبيل طلب العلم فيه لأزمان قد تمتد إلى سنوات وسنوات، استجابة لدعوة الحق تبارك وتعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ١.
وإذا كان علينا أن نربط بين الأزهر في علوم الدين، وبين حظه من علوم الحديث والسنة، فإننا نكتفي بأن نشير إلى أن انفتاح الأزهر في عصر المماليك، واستقباله للدارسين من أهل مصر والوافدين عليه، ممن كان لهم دور خطير في علوم السنة من أمثال شيخ الإسلام ابن حجر والإمام العيني والسخاوي والسيوطي يقضي بأن يكون للأزهر جانب، موفور من تخصصات هؤلاء وقد ورد في تراجم بعضهم تصريح بأنه كان يدرس الحديث في الأزهر، وأن بعضهم كان يقيم فيه، مثل شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وقد جاء في ترجمة عبد الرحيم العباسي أنه كان ممن يدرسون الحديث بالأزهر، وفي هذا القدر ما يحقق الجانب المنشود من مدرسة الحديث في مصر في هذه الجامعة العظيمة.