للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمناضرة، ولم يمنعه ذلك من إيراد أدلة المذاهب الأخرى تحقيقًا لأمانة العلم، ودفعًا؟؟؟ المذهبي، وتقريبًا لأدلة الأحكام إلى الدارسين، وذلك كما في كتاب بلوغ المرام أدلة الاحكام.

ومنهم من حشد في كتابه جميع ما استدل به الأئمة الأربعة أصحاب المذهب المشهورة وغيرها من صريح السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين، وجرده من أقوال جميع المجتهدين التي لم تصرح بها الشريعة -على حد قول مؤلفه- فجمع من كتب الحديث التي تيسرت له عند تأليف كتابه أحاديث الشريعة وآثارها، وتوسع في الأخذ عن كثير من هذه الكتب كموطأ مالك، ومسند الإمام سنيد بن داود -وهو من أقران مالك يروي عن وكيع- وكالصحيحين، ومسانيد الأئمة الثلاثة أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وصحيح أبي داود، وصحيح الحاكم، وصحيح ابن خزيمة وابن حبان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والمختارة للضياء المقدسي، فأخذ من كل هذه الكتب مادة حديثية خصبة قربها إلى الدارسين، ليأخذ كل بما يفتح الله به عليه منها، ولم يعز أحاديث الكتاب إلى من أخرجها من الأئمة استنادًا إلى أنه لا يروي إلا ما استدل به الأئمة المجتهدون في مذاهبهم، واقتصر من الحديث على إيراد محل الاستدلال المطابق للترجمة، ولا يكرر حديثًا في باب إلا إذا اشتمل على زيادة حكم ظاهر لا يوجد في الحديث الذي قبله، وقدم لطلاب أدلة الأحكام مادة حديثية مجردة، وترك أمرين بارزين تقحم فيهما كثير من العلماء والفقهاء: هما التأويل والحكم بالنسخ؛ لأن كلا منها لا يخلو من إظهار شخصية حيال الحديث النبوي الكريم، وذلك كما فعل الإمام الشعراني في كتابه كشف الغمة عن جميع الأمة.

ومثل هذا التعدد في مناهج المحدثين في كتب أحاديث الأحكام كان اختلاف المناهج في غيرها من أنواع العلوم الحديثية الأخرى، ففي كتب الترغيب والترهيب، وفي كتب الجوامع العامة، وفي كتب الزوائد، وفي توضيح المبهمات، وفي كتب أصول الحديث، وفي كتب التخريج وكتب الرجال، في كل ذلك وفي غيره من أنواع علوم السنة الأخرى تعددت المناهج، واختلفت الطرائق فإن في بعضها بسطًا، وفي الآخر اختصارًا، وفي بعضها التزامًا برواية الصحيح أو المقبول، وفي الآخر عدم التزام به مع التنبيه، ولكنها جميعًا كانت تدور في فلك واحد هو خدمة السنة، وتهدف إلى غاية واحدة كانت مقصدا لمناهج المحدثين في دورها الأخير فيما قبل سقوط بغداد، هي تقريب السنة إلى طلابها وعرض النافع منها والتنبيه على ما عداه، وبذلك يمكن أن نعتبر مناهج المحدثين فيما بعد سقوط بغداد امتداد للدور الأخير من مناهجهم قبل ذلك في مرحلة التقليد والاختصار والتقريب، ثم محاولة جمع الشتيت من علوم السنة ومادتها، وإضافة الجديد إلى كل من هذه العلوم: من شرح لغامض، أو بيان لمبهم، أو تفصيل لمجمل، أو توفيق بين النصوص الحديثية حين يظهر بينها التعارض والاختلاف.

<<  <   >  >>