وبعد هذا ساق الإمام الطحاوي بعض الآثار المؤيدة لهذا الذي انتهى إليه من نسخ كراهة هذا الفعل.
٢- يرفع التضاد الذي يبدو للدارس بين الآثار المتعارضة، وذلك إما بشرحها وتأويلها على معنى يوفق بينها وبين النصوص الأخرى، وإما باحتمال نسخ الأثرين للآخر، وهو -في غالب الأحيان- يؤيد وجهة نظره بما يروي من الآثار التي يستدل على ما اختاره.
فمن ذلك ما أورده في باب الذي يجامع ولا ينزل١ من حديث زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع فلا ينزل قال: ليس عليه إلا الطهور، ثم قال:"سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم" وأن زيدًا سأل عليًّا والزبير وطلحة وأبي بن كعب فكلهم قال ذلك، ثم روى آثارًا كثيرة بأسانيد متعددة، كلها تؤيد هذا المعنى وإن اختلفت صبغتها، كقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس في الإكسال إلا الطهور" وقوله في الجواب عن الرجل يجامع فيكسل: "يغسل ما أصابه ويتوضأ وضوءه للصلاة" وقوله: "الماء من الماء والغسل على من أنزل" وغير ذلك من الآثار.
ثم قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى أن من وطئ في الفرج فلم ينزل فليس عليه غسل، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
وخالفهم آخرون فقالوا: عليه الغسل وإن لم ينزل:
واحتجوا في ذلك بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن الرجل يجامع فلا ينزل، فقالت:"فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا منه جميعًا" وما روي عنها أيضًا قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان اغتسل" وأن سعيد بن المسيب قال: ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان أيوجب الغسل؟ فقال أبو موسى: أنا آتيكم بعلم ذلك، فنهض وتبعته حتى أتى عائشة رضي الله عنها فقال: يا أم المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي أن أسألك، فقالت: سل فإنما أنا أمك. قال: إذا التقى الختانان أيجب الغسل؟ فقالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التلقى الختانان اغتسل"، وما روي أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليه من غسل؟ -وعائشة رضي الله عنها جالسة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل".
قالوا: فهذه الآثار تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل إذا جامع وإن لم ينزل، فقيل لهم: هذه الآثار تخبر عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يجوز أن يفعل ما ليس واجبًا عليه، والآثار الأول تخبر عما يجب وما لا يجب فهي أولى.