للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أورد حجة أهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى بأن ما أوردوه من الآثار الدالة لهم إنما هي على ضربين: أحدهما: "الماء من الماء" والثاني: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا غسل على من أكسل حتى ينزل". ثم قال: "فأما ما كان من ذلك فيه ذكر الماء من الماء". والثاني: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا غسل على من أكسل حتى ينزل". ثم قال: "فأما ما كان من ذلك فيه ذكر الماء من الماء" فإن ابن عباس رضي الله عنه قد روي عنه في ذلك أن مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم به قد كان على غير ما حمله عليه أهل المقالة الأولى، وأورد الطحاوي عن ابن عباس بسنده أن ذلك كان في الاحتلام، إذا رأى أنه إذا جامع ثم لم ينزل فلا غسل عليه، قال: فهذا ابن عباس قد أخبر أن وجهه غير الوجه الذي حمله عليه أهل المقالة الأولى، فضاد قوله قولهم.

وأما ما روي فيما بين فيه الأمر وأخبر فيه بالقصد أنه لا غسل عليه في ذلك حتى يكون الماء فإن قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، ثم روى حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قعد بين شعبها الأربع ثم اجتهد وجب الغسل" وآثارًا أخرى مثل هذا عن عائشة رضي الله عنها وفي بعضها عبارة "ثم ألزق الختان الختان" بدلًا من "ثم اجتهد" ومن بينها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل".

قال أبو جعفر: فهذه الآثار تضاد الآثار الأول وليس في شيء منها دليل على الناسخ من ذلك ما هو؟ فنظرنا في ذلك، فإذا علي بن شيبة قد حدثنا -وذكر سنده إلى أبي بن كعب- قال أبي بن كعب: "إنما كان الماء من الماء في أول الإسلام، فلما أحكم الله الأمر نهى عنه" وأورد بإسناد آخر أن أبي بن كعب أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهى عن ذلك وأمر بالغسل.

وذكر الطحاوي بعد ذلك آثارًا أخرى عن بعض الصحابة تؤيد ما ورد من النسخ ثم قال فهذا أبي قد قال هذا، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، فلا يجوز هذا عندنا إلا وقد ثبت نسخ ذلك عنده من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر بعد ذلك من الآثار ما يدل على اتجاه كبار الصحابة إلى هذا الرأي منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان عثمان ممن روى خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز ذلك إلا وقد ثبت النسخ عنده، وكذلك أبو هريرة الذي قال -عند سؤاله عما يوجب الغسل: إذا غابت المدورة. مع أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك قال الطحاوي فهذا أيضًا دليل على نسخ ذلك.

ثم أورد آثارًا أخرى كثيرة تؤيد النسخ وقال بعد ذلك: فقد ثبت بهذه الآثار التي رويناها صحة قول من ذهب إلى وجوب الغسل بالتقاء الختانين، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

ثم قال: وأما وجهه من طريق النظر، فإنا رأيناهم لم يختلفوا أن الجماع في الفرج الذي لا إنزال معه حدث، فقال قوم: هو أغلظ الأحداث، فأوجبوا فيه أغلظ الطهارات وهو الغسل، وقال قوم: هو كأخف الأحداث، فأوجبوا فيه أخف الطهارات وهو الوضوء، ثم استعرض مسائل

<<  <   >  >>