للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متصلة بهذا الباب، وأخذ يبين حكمها ويقيس عليه. حتى انتهى إلى قوله: فالنظر على ذلك أن يكون الجماع بغير إنزال في حكم الأحداث أغلظ الأحداث، ويجب فيه أغلظ ما يجب في الأحداث وهو الغسل.

وساق حججًا أخرى ينتصر بها لهذا الرأي، واستوعب أكثر من ثماني صفحات من الكتاب في بيان الحكم في هذا الباب.

٣- يستنبط الأحكام في كتابه هذا من طريقين: طريق الآثار وطريق النظر، فهو يستعرض الأحاديث والآثار الدالة في الباب، وبين دلالاتها ويوازن بينها، ثم يرجح ويختار، ويسوق كثيرًا مما يؤيد ما اختاره من طريق الآثار، ثم يعقب الاستنباط عن طريق النظر بذكر مسائل أخرى مشابهة لما هو بصدده، ويذكر حكمها ويقيس عليه، ثم ينتهي أخيرًا إلى رأي أبي حنيفة وصحبه، ويذكر بعد ذلك ما يؤيد مذهبه من الأحاديث والآثار.

فمن استعماله الطريقتين ما أورده في باب الوضوء هل يجب لكل صلاة أم لا؟ ١ فيما رواه ابن بريدة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد" وأنه صلى الله عليه وسلم: صلى يوم فتح مكة خمس صلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر: صنعت شيئًا -يا رسول الله- لم تكن تصنعه، فقال: "عمدًا فعلته يا عمر".

وما رواه علقمة عن سليمان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ لكل صلاة، قال الطحاوي: فذهب قوم إلى أن الحاضرين يجب عليهم أن يتوضئوا لكل صلاة، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

وخالفهم في ذلك أكثر العلماء، فقالوا: لا يجب الوضوء إلا من حدث.

ثم أورد حديثًا آخر يؤيد وجهة نظر المخالفين، وهو ما رواه عن جابر بن عبد الله قال: "ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة من الأنصار ومعه أصحابه، فقربت لهم شاة مصلية٢ فأكل وأكلنا، ثم حانت الظهر فتوضأ وصلى، ثم رجع إلى فضل طعامه فأكل، ثم حانت العصر فصلى ولم يتوضأ".

قال أبو جعفر: ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بوضوئه الذي كان في وقت الظهر، وقد يجوز أن يكون وضوءه لكل صلاة على ما روى ابن بريدة كان على التماس الفضل لا على الوجوب، ثم يتساءل أبو جعفر: فهل في هذا من فضل فيلتمس، ويجيب على هذا التساؤل: نعم، ويروي حديث عمر بما يفيد أنه توضأ لكل من الظهر والعصر والمغرب فسأله أبو غطيف: أي شيء هذا يا أبا عبد الرحمن؟ الوضوء عند كل صلاة؟ فقال عمر: وقد


١ شرح معاني الآثار: ج١ ص٤١ وما بعدها.
٢ قوله: مصلية أي مشوية. كذا في هامش ج١ ص٤٢ معاني الآثار.

<<  <   >  >>