للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتابه عمدة الأحكام قدم له المؤلف بوصف قال فيه: إن بعض الإخوان سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام مما اتفق عليه الإمامان البخاري ومسلم، فأجبته إلى سؤاله رجاء المنفعة.

وهو بهذا قد انفرد من بين المؤلفين السابقين بخصيصة لم يشترك معه غيره فيها في أحاديث الأحكام، ولعله -رحمه الله- لو تجاوز هذا القدر من الأحاديث المتفق عليها بين الشيخين إلى ما ثبت عنده صحته من بقية أحاديث الأحكام لكان أعود بالفائدة، وأعون على الانتفاع بجملة صالحة منها، ولعل اختياره لهذا العنوان -عمدة الأحكام- في تسمية كتابه كان أثرًا ونتيجة لهذا الاختصار، وأدق تطابقًا معه، وكأن من كتبوا بعده في أحاديث الأحكام محاولين الاستيعاب أو ما يقرب منه -كصاحبي المنتقى وبلوغ المرام- أرادوا أن يستدركوا عليه باستكمال الفائدة، وإغناء المطلعين عن الرجوع إلى الأصول الأولى في أمهات كتب أحاديث الأحكام، على أنه يبدو لنا أن الرجل بمهارته الحديثية، وحذقه في التعرف على الأحاديث وآثارها التشريعية، مع حرصه على أن يكون الاستدلال في أحاديث الأحكام من أقوى ما ورد وأثبته رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه لم يفته كثير من أدلة الأحكام الفقهية، فإن الإمامين الجليلين -البخاري ومسلمًا- كانا أشد الرواة حرصًا على استيعاب الأحاديث في جميع الأبواب في دائرة ما اتخذا من شروط ومنهج يكفل الاعتماد على ما قدما للأمة من الأحاديث التي يحتاج إليها في أمور الدين، ولعل المتتبع لهذا الكتاب تستبين له تلك الحقيقة واضحة جلية.

وقد يكون من مقاصده في الاختصار ما يقوم به بعض العلماء من وضع المختصرات تذليلًا لسبل العلم، بأن يبدءوا بالكتب المختصرة الجامعة لأهم المسائل التي تلزم طالب العلم، حتى إذا أتقنها استطاع أن يجوزها إلى ما هو أوسع منها، وهذه من طرق التربية الناجحة التي درسنا عليها أكثر العلوم في الأزهر الشريف، يضاف إلى ذلك -تدعيمًا لحسن هذا التصرف، وسلامة هذا الرأي- أنه بذلك يثبت أن المؤلف رحمه الله كان ممن تجردوا من العصبية المذهبية، واتجهوا بصادق النية إلى خدمة الدين في ضوء السنة النبوية الصحيحة، التي ثبتت عن المشرع صلوات الله وسلامه عليه، فهو لا يتعصب لمذهب معين يدفعه إلى أن يتصيد من الأحاديث ما هو أقوى حجة وأشد تأييدا لمذهبه الذي ارتضاه، وإنما كان رحمه الله يعول في اختياره لأحاديث الأحكام على درجة ما يرويه وقوته، فركز ذلك فيما اتفق عليه الشيخان إبراء لعهدته في تحقيق مهمته وأداء رسالته.

والكتاب جار على الطريقة التي تداولها من نقلوا السنة بعد عهد الرواية، فاكتفوا بتجريد الأحاديث من أسانيدها، واستعاضوا عن ذكر الأسانيد بتخريج الأحاديث وعزوها تقريبًا للعلم، وتحقيقًا للدقة والأمانة في نقله، فإن مهمة هذه الكتب وأمثالها -بعد استقرار السنة والاطمئنان إلى أصولها- هي عرض الأحاديث لمن يريد الانتفاع استدلالا بها، واهتداء بهديها، وأما معرفة الأسانيد والرجال لمن أرادها فحسب المؤلفين ما استعاضوا به عنه من التخريج والإحالة على مواطنها

<<  <   >  >>