يخرج عن ذلك في مواضع يسيرة فيروي عن غيرهم كالدارقطني والبيهقي وسعيد بن منصور والأثرم وهذا شيء واضح لمن تتبع هذا الكتاب ودرسه بتأن ودقة١.
وقد نقل الشوكاني عن جماعة عن أئمة الحديث أن هذا الكتاب من أحسن الكتب المصنفة في الفن، لولا عدم تعرض مصنفه -رحمه الله- للكلام على التصحيح والتحسين والتضعيف في الغالب ونقل عن البدر المنير أنه قال: وأحكام الحافظ مجد الدين عبد السلام بن تيمية المسمى المنتقى هو كاسمه وما أحسنه لولا إطلاقه في كثير من الأحاديث العزو إلى الأئمة دون التحسين والتضعيف، فيقول مثلًا: رواه أحمد، رواه أبو داود، ورواه الدارقطني، ويكون الحديث ضعيفًا، وأشد من ذلك كون الحديث في جامع الترمذي مبينًا ضعفه، فيعزوه إليه دون بيان ضعفه. قال: وينبغي للحافظ جمع هذه المواضع وكتبها على حواشي هذا الكتاب، أو جمعها على مصنف، يستكمل به فائدة الكتاب المذكور.
ونقول: إن هذا كان واجبًا قبل ظهور نيل الأوطار، فأما بعد ظهوره، فلم تعد تلك التنبيهات واجبة على الحافظ أو غيره، وقد بين الإمام الشوكاني منة الله عليه في ذلك فقال: وقد أعان الله وله الحمد على القيام بما أرشد إليه هذا الحافظ مع زيادات إليها تشد رحال الطلاب، وتنقيحات تنقطع بتحقيقها علائق الشك والارتياب.
وقد صدق الشوكاني في ذلك، فقد بذل جهدًا فيه، حتى إن الناظر في كتابه ليلمس أنه يبدأ في شرح الحديث ببيان درجته ومرتبته، وإن كان المصنف قد بينها فإن له فيه تفصيلًا وبحثًا، قد يطول أحيانًا، وقد يختلف به مع المؤلف في تقويمه للحديث مع البيان المقنع الشافي، فشكر الله له هذا المجهود.
ومن نظر في أول حديث أخرجه المؤلف -وهو حديث طهورية ماء البحر- تبين له ذلك بجلاء ووضوح، فإن المصنف اقتصر في تخريج الحديث وتقويمه على قوله: رواه الخمسة، وقال الترمذي: هذا الحديث حسن صحيح، ولكن الشوكاني اتجه ببيان مستقل ينبئ عن شخصية علمية فذة، فإن القارئ للمتن من شأنه أن يعتمد على ما أورده المصنف من أنه رواية الخمسة، ومن حكم الترمذي عليه بالحسن والصحة، ولكن أمانة العلم وشدة الفحص دعت الإمام الشوكاني إلى أن يبين أن الحديث أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وابن الجارود في المنتقى، والحاكم في المستدرك والدارقطني والبيهقي في سننهما، وابن أبي شيبة، وذكر حكاية عن الترمذي نقلًا عن البخاري أن الحديث صحيح، ثم أورد معركة في الحكم على هذا الحديث يطول شرحها، ولا يستبينها إلا من رجع إلى هذا الشرح، وأراد أن يعزز الحديث في النهاية بأنه مروي عن جابر عند أحمد وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والحاكم بنحو حديث أبي هريرة، وأن له طرقًا عند الطبراني في الكبير.