للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن الحافظ ابن حجر حكم على إسناده بأنه حسن، وليس فيه إلا ما يخشى من التدليس ثم تعرض لشرح هذا التدليس، وانتقل إلى أن ابن السكن قال: حديث جابر أصح ما روي في هذا الباب ... إلى آخر ما قال.

ولا نعني بذلك أن هذا الاستيعاب في البحث عن درجة الحديث هو مسلكه في جميع الأحاديث، وإلا لخرج عما هو مقصوده من الاستدلال به على الأحكام، وبيان الأئمة في الأخذ به أو العدول عنه ووجهة نظر كل منهم، فإنه وفق في كلتا الناحيتين فأجاد وأحسن، وهذه خدمة جليلة يشكرها الله له.

والكتاب بعد هذا أكبر مؤلف في أحاديث الأحكام التي ألفت مجردة من الأسانيد بعد عهد الرواية، وهو منتقى كاسمه، فقد اختار من الأحاديث أصلحها للاستدلال من تلك الكتب التي أوردها، وبينا المراد بما فيما نقلناه عن شارحه الشوكاني.

وهو مرتب على أبواب الفقه، سالك مسلكها من إيراد العنوان العام المندرج تحته أبواب، إلا أنه تارة يذكر العنوان العام باسم كتاب، كما صنع في كتاب الطهارة وتارة يذكره باسم باب، كما صنع في أبواب الأواني، ولعل حكمته في ذلك أن هذه الأبواب تشتمل أنواعًا مختلفة في موضوع يندرج تحت الكتاب العام، ولأن خطته في عرض الأبواب أن يكثر منها بحيث يشبه أبا داود في سننه، ولعله يتأثره في التنبيه إلى الحكم بإيراده تحت عنوان باب، وما أكثر ما عنون بالباب لمجرد حديث أو حديثين، ومن صور ذلك: باب طهورية ماء البحر وغيره فليس تحته إلا حديثان، وباب بيان زوال تطهيره فليس تحته إلا حديثان، وباب الرد على من جعل ما يغترف منه المتوضئ بعد غسل وجهه مستعملًا، وليس تحته إلا حديث واحد، مع طول هذا العنوان طولًا بينًا.

ولا سبيل لنا إلى استقصاء أحاديث الكتاب فليس له فيما نحن بصدده كبير جدوى، ولكننا نكتفي في الحكم عليه بما وصفه به ذلك الإمام محمد بن علي الشوكاني الذي انبرى له من بين المحدثين، وأبرز ما فيه من أدلة، وما يتصل بكل حديث من منزلة ورتبة، فهو يقول في بيان السبب الذي دعاه إلى شرحه على ذلك الوجه العظيم: إنه لما كان الكتاب الموسوم بالمنتقى من الأخبار في الأحكام مما لم ينسج على بديع منواله، ولا حرر على شكله ومثاله أحد من الأئمة الأعلام قد جمع من السنة المطهرة ما لم يجتمع في غيره من الأسفار١، وبلغ إلى غاية من الإحاطة بأحاديث الأحكام تتقاصر عنها الدفاتر الكبار، وشمل من دلائل المسائل جملة نافعة تغني دون الظفر ببعضها طوال الأعمار، وصار مرجعًا لجلة العلماء عند الحاجة إلى طلب الدليل، لا سيما في هذه الديار٢ وهذه الأعصار، فإنه تزاحمت على مورده العذب أنظار المجتهدين، وتسابقت على الدخول في أبوابه أقدام الباحثين من المحققين، وغدا ملجأ للنظار يأوون إليه، ومفزعًا للهاربين من رق التقليد يعولون عليه، وكان


١ لعله يريد بذلك ما ألف منها في أحاديث الأحكام خاليًا من الأسانيد بعد عصور الرواية.
٢ يريد بها اليمن مسقط رأسه.

<<  <   >  >>