للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن يكن قد فاته أن يقدم للدارسين بعض الأدلة التي حال التزامه بذكر أصح الأسانيد دون إيرادها متن الكتاب فإنه رحمه الله قد تدارك ما فاته بهذا الشرح العظيم الذي برهن على فحولته الفقهية، وعلى تمكنه من مختلف أبواب الدين بما أورده من الفوائد العديدة المستمدة من الأحاديث التي ينفسخ بها له -في الشرح- مجال الاستدلال ما دامت تصلح لذلك، دون تقيد بما التزمه في المتن ومن الإنصاف أن نسجل مشاركة ولده أبي زرعة له في شرح بعض أحاديث الكتاب، ولكن المنهج واحد والأسلوب لا يختلف، وما تناوله الابن بالشرح من الكتاب لا يقل مكانة عما تناوله والده استدلالا وتعمقًا وطول نفس، وقوة استنتاج.

ومما يزيد في قيمة الكتاب العلمية كون مؤلف الشرح هو مؤلف المتن، فهو أدرى بما أورده مما يحتاج إلى بسط في البحث، أو أخذ ورد في تصوير المذاهب الفقهية، وكيفية المآخذ من هذه الأدلة ونفي الشبهه العارضة عليها، ودفع ما قد يتوهم من تعارض بينها.

ومن الأمانة العلمية أن نورد هنا ما ذكره الشيخ محمد جمال الدين القاسمي المتوفى عام اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة في كتابه قواعد التحديث١ تحت عنوان "ذكر من صنف في أصح الأحاديث" قال رحمه الله: جمع الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم العراقي فيما عد من أصح الأسانيد كتابًا في الأحكام رتبه على أبواب الفقه سماه: "تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد" وهو كتاب لطيف جمعه من تراجم ستة عشر قيل: إنها أصح الأسانيد إما مطلقًا وإما مقيدة، ومع ذلك فقد فاته جملة من الأحاديث كما قاله ابن حجر.

ونلاحظ أن القاسمي لم يبين لنا في أي كتاب ذكر الحافظ ابن حجر هذا الاستدراك على الحافظ العراقي، ولئن كان قد قال ذلك إن استدراكه لمردود؛ لأن العراقي لم يدع استيعاب أصح الأسانيد في أحاديث الأحكام، وإنما ذكر أنه يريد أن يجمع أحاديث عديده في تراجم محصورة٢ وقد وفي بما وعد.

رضي الله عن الحافظ العراقي وولده ولي الدين أبي زرعة، وأجزل أجرهما لقاء ما قدما إلى أمة الإسلام من نصح، وما أسديا إليها من معروف.


١ قواعد التحديث: ص٨٤.
٢ طرح التثريب: ج١ ص١٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>