للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن غرائبه أنه يذكر الحديث أحيانًا ثم يسلط عليه أسلوب الأصوليين في الترجيح وقد سلك هذا المسلك في حديث همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نودي للصلاة -صلاة الصبح- وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ". فقال: إنه إما منسوخ كما رجحه الخطابي، أو مرجوح كما قاله الشافعي رحمه الله والبخاري بما في الصحيحين من حديث عائشة وأم سلمة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" فبين العراقي بهذا أن حديث همام هذا مرجوح لا يعمل به، ووجه كونه مرجوحًا أن هناك ما ينسخه على مسلك الخطابي، أو ما هو أقوى منه على مسلك الإمامين الشافعي والبخاري، وأكد ذلك بأن عائشة ذكرت بأنه ليس من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وأن أبا هريرة رجع عنه حين بلغه حديث عائشة١.

والكتاب متنًا وشرحًا يقع في ثمانية أجزاء: أولها خاص بالتراجم التي تعرف بكل من له ذكر في الكتاب من الشيوخ منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصر المؤلف، بعد مقدمة الحافظ العراقي لكل من متن الكتاب وشرحه، مع تضمين مقدمة الشرح ترجمة لابنه ولي الدين أبي زرعة.

ثم سار في بقية أجزاء الكتاب مرتبًا له على أبواب الفقه المعروفة، مبتدئًا بكتاب الطهارة ومنتهيًا بكتاب الشهادات ثم باب السلام والاستئذان.

ثم ذكر أبواب الأدب، وذكر الطب والرقى، والرؤيا، والأمثال، وحق الضيف، والرجاء والخوف، والقدر، وأشراط الساعة، والبعث، وذكر الجنة والنار، وبه ينتهي الكتاب بأجزائه الثمانية.

وفي كل كتاب أبواب، وتحت كل باب مسائل وردت بشأنها أحاديث، تكثر في بضع الأحيان وتقل في بعضها الآخر، وفي تخريج هذه الأحاديث، وبيان معانيها واستنباط الفوائد الكثيرة منها ما يبرز شخصية المؤلف، ويدل على غزارته العلمية وعمقه في البحث، وأصالته في التفكير.

وبعد: فإن هذا الكتاب هو أحد الكتب التي وضعت لأحاديث الأحكام، وهو لفحل من فحول هذا الشأن قلما يجود بمثله الزمان، فهو عمدة في هذا الباب، ومرجع يعول عليه العلماء والطلاب.

وطريقته التي ذكرناها في التقيد بالتراجم التي اختارها لأصح الأسانيد لم يشاركه فيها أحد فيما وصل إلينا من الكتب، فإن المتأمل يجد في هذا المسلك مجهودًا أشق من مجهود الاختيار من الصحيحين وحدهما -كما التزم بذلك الإمام المقدسي في كتابه عمدة الأحكام- وأدق من مسلك من اكتفى بأحاديث الكتب الستة وما يشبهها في التزام الصحيح من الأحاديث -كابن تيمية في كتابه منتقى الأخبار، وابن حجر في كتابه بلوغ المرام- فإن مسلكه هذا يستدعي فحص الأحاديث وتتبعها في الصحيحين وفي غيرهما لاختيار ما تتحقق فيه تلك التراجم.


١ طرح التثريب: ج٤ ص١٢٢.

<<  <   >  >>