للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان المؤلف قد بين -في تقديمه للكتاب- أنه اشتمل على أصول الأدلة الحديثية فإنه لا يريد بذلك أنه استوعب جميع الأدلة الحديثية كما يبدو واضحًا من تتبع الكتاب واستقراء أحاديثه، وموازنته بغيره من كتب أحاديث الأحكام، كمسند أبي داود، ومعاني الآثار للطحاوي، وكالمنتقى لابن تيمية الذي اشترك مع المصنف في تجريد الأحاديث من أسانيدها وفي تخريجها، كما اشترك معه أيضًا في علة عدم التنبيه على بعض ما ينبغي التنبيه عليه من بيان درجة الحديث، ولكن ابن حجر اختار نخبة من الأحاديث، واتجه في أكثر ما اختاره إلى ما بنى عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه مذهبه في الفقه، بمقتضى ميل المصنف، واتجاهه لمناصرة هذا المذهب، ولكن إنصافه -والحق يقال- لم يمنعه من عرض بعض الأحاديث التي تختلف مع فروع المذهب الشافعي كما سنبين ذلك عند الكلام على الظواهر العامة في الكتاب، وبناء على ذلك فمن المجازفة ما قيل: إن ابن حجر جمع في هذا الكتاب كل الأحاديث التي استنبط الفقهاء منها الأحكام الفقيهة١.

ومما ينبغي الإشارة إليه من هذا المقام أن هذا المؤلف -فوق أنه كما وصفه مؤلفه وكما تعارفه الناس عنه من الاشتمال على الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، فإنه يمتاز بأن مؤلفه الإمام الحافظ ابن حجر بغزارته، وسعة علمه، وكرم نصحه للأمة قد وضع في آخره كتابًا جامعًا لأبواب ستة، هي: الأدب، والبر والصلة، والزهد والورع، والترهيب من مساوئ الأخلاق، والترغيب في مكارم الأخلاق، والذكر والدعاء، وهو تصرف غاية في الحكمة والدقة والإحسان، فإن هذه الأبواب عيون التصرف، وضالة كل شخصية مسلمة، فالفقه في الحقيقة -ولا سيما عند الأولين من علماء المسلمين- كانت له عناية خاصة بالآداب، واتجاه إلى ما يصلح النفوس ويهذيها، ويدعوها إلى مكارم الأخلاق، كما يركز الإمام الغزالي على ذلك في كتابه الإحياء وينعى على الفقهاء أنهم أهملوا ذلك الاتجاه الإسلامي الرفيع، ويقول: إن تعلم ذلك الفقه التهذيبي فريضة على كل مسلم ومسلمة، فجزى الله المؤلف خيرًا بما لفت به نفوس المتفقهين إلى تلك النواحي الكريمة من الدين.

ويشتمل هذا الكتاب على ثلاثة وسبعين وثلاثمائة وألف حديث، ما عدا المتداخل، وهو المتشابه ببعض الاختلاف، وهو الذي يشير إليه بقوله: وفي رواية فلان كذا، ونحو ذلك.

ويبلغ عدد هذه الأحاديث المتداخلة، واحدًا وثلاثين ومائة حديث، وبها تصل أحاديث الكتاب إلى أربعة وخمسمائة وألف حديث.

وقد وجد اختلاف في عد أحاديث الكتاب بين بعض النسخ وبعض، تبعًا لاختلاف الطبعات، واتجاهات المصححين والمراجعين في إدخال بعض الأحاديث في بعض، أو فصل بعضها عن بعض وقد أحصاه بعض المؤلفين المعاصرين٢ بأربعمائة وألف حديث.


١ انظر صدر كتاب سبل السلام عند التعريف ببلوغ المرام وشرحه ص٣ للأستاذ محمد عبد العزيز الخولي.
٢ الحديث والمحدثون لفضيلة الدكتور أبي زهو ص٤٤٧.

<<  <   >  >>