للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر في سبب تأليفه لكتاب كشف الغمة١ وما كان من شكوى جماعات من المتصوفة ما يجدونه من العلماء الذين يقرأءون مذاهبهم وينصرون أقوالها، وأنهم وقعوا في حيرة شديدة من اختلاف هؤلاء العلماء، وتوجيه كل واحد منهم إلى مذهبه، وتهديد الكثير منهم ببطلان عباداتهم إذا خرجوا عن مذاهب أئمتهم، وأطال في تصوير ذلك، وفي بيان ترددهم عليه، وما كان يجيبهم به ليصرفهم عن هذا التكليف الشاق، ولكنهم ألحوا عليه في أن يجمع لهم كتابًا حاويًا لأدلة المذاهب الأربعة المشهورة وغيرها من صريح السنة النبوية، وسنة الخلفاء الراشدين، وأن يجرده عن أقوال جميع المجتهدين التي لم تصرح بأحكامها الشريعة؛ ليعرفوا ما شرعه نبينا صلى الله عليه وسلم فيقدموا العمل به؛ لأنه هو الذي يسألون عنه بين يدي الله سبحانه وتعالى، وطال الجدل بينهم وبينه، حتى تحقق من صدق قصدهم في اتباع سنة نبيهم، وشدة ظهور رغبتهم في ذلك، فشمر عن ساعد الجدر والاجتهاد، وشرع بعون الملك الوهاب في جمع أحاديث الشريعة وآثارها من كتب الأحاديث التي تيسرت له حال جمعه في البلاد المصرية، كموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام سنيد بن داود٢ -وهو من أقران مالك يروي عن وكيع، وقد وقعت له منه نسخة بخط الإمام محمد بن عذرة، ولم يظفر بها أحد من حفاظ الحديث وكالصحيحين، ومسانيد الأئمة الثلاثة أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وصحيح أبي داود، وصحيح الحاكم، وصحيح ابن خزيمة وابن حبان والترمذي والنسائي وابن ماجه، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي -قال الشيخ جلال الدين السيوطي: وكلها صحيحة- وغير ذلك من كتب حفاظ المحدثين رضي الله عنهم أجمعين، بل لم أذكر في هذا الكتاب شيئًا من أحاديث غير هذه الكتب إلا نادرًا؛ لأنها هي التي اعتمدها العلماء وتلقوها بالقبول، ولا يخرج عنها من أحكام الشريعة -فيما أعلم- إلا النادر.

والفلك المحيط لجميع هذه الكتب وغيرها من المسانيد الغريبة هو كتاب جامع الأصول لابن الأثير، وكتاب السنن الكبرى للبيهقي، وكتاب الجامع الكبير والجامع الصغير، وكتاب زيادة الصغير، كل هذه الثلاثة الأخيرة للشيخ جلال الدين السيوطي خاتمة حفاظ الحديث بمصر المحروسة.

ثم قال: وقد طالعت جميع هذه الكتب، وأخذت منها جميع ما يتعلق منها بأمر أو نهي أو مكارم أخلاق من الحديث والآثار، وتركت كل ما زاد على ذلك من السير والتفسير وغير ذلك مما هو ليس من شرط كتابنا، فصار كتابنا هذا بحمد الله حاويًا لمعظم أدلة المجتهدين.


١ ص٣ وما بعدها من كشف الغمة.
٢ واسمه حسين بن داود المصيصي لقبه العماد في الشذرات بالمحتسب الحافظ وقال: إنه اشتهر بلقب سنيد وإنه أحد أوعية العلم والآثر، وثقه ابن حبان، والخطيب البغدادي وإن تكلم فيه أحمد. توفي ٢٢٦هـ شذرات الذهب، ص٥٩ ج٢ وذكره صاحب الرسالة المستطرفة في أصحاب المسانيد وضبط المصيص بكسر الميم وتشديد الصاد، ويقال بفتح الميم وتخفيف الصاد نسبة إلى المصيصة مدينة وقال: إن سنيد كزبير، وإنه الحافظ المحتسب صاحب التفسير المسند المشهور: الرسالة المستطرفة ص٥١.

<<  <   >  >>