وفي تصويرنا لمسانيدنا هنا ومعاجمنا بخاصة، ولو كان النقل على ذلك الترتيب الوارد هناك لهان الأمر بعض الشيء، ولكان أقل مجهودًا مما ورد عليه في هذا الوضع الجديد، فقد يكفيه أن يستعرض مسانيد الصحابة أو معاجم الشيوخ، ثم يورد هنا من أحاديثهم ما لم يرد ذكره في المزيد عليه من كتب السنة، ليكون العمل في تلك الزوائد على نسقها ومسايرًا لها، ولكن وراء ذلك مهمة شاقة لا يدركها إلا من زاول دراسة أبواب السنة في جوامعها الأولى وطريقة التبويب فيها.
والمؤلف رحمه الله تعالى قد أشار إلى جانب من ذلك المجهود الضخم في تواضع وأدب حين قال: وقد رتبته على كتب أذكرها لكي يسهل الكشف منه ... إلخ، على أنه رحمه الله حين رتبه على الكتب لم يكتف بذكر كتب عامة، وإنما أورد ما أدرجه تحتها من أبواب -أكثر منها جدًّا- بحيث صار كثير من العنوانات يتفق في المعنى مع ما تدل عليه الأحاديث الواردة فيها، بل ربما كان العنوان بنفس لفظ الحديث الوارد، ولم يتأثر في ذلك بما سبق به من قبل إلا في طريقة البخاري وأبي داود ومن سار على نهجهما من ذكر عناوين قد تؤخذ منها الأحكام التي تدل عليها الأحاديث المندرجة تحتها، وهو مجهود قيم كبير يقتنع به كل الاقتناع من تصفح الكتاب بل إنه يدركه لأول وهلة من نظر في فهارس كتبه وأبوابه.
وواضح أن في ذلك التصرف إحياء لتلك المعاجم، وإبراز لتلك النواحي الحديثية المقصودة منها، وهي توضيح معالم الدين، وإظهار ما فيه من أغراض مختلفة عظيمة، وأما تلك المعاجم والمسانيد فهي مجرد اختزان لتلك الأحاديث وحفظ لها، إلى أن يقيض الله لها أمثال هذا الحافظ العظيم، ممن يقف على تلك الخزائن فيخرج مما فيها بأمانة، ويوزعها على من ينتفع بها في أبوابها وعناوينها المختلفة، ويصيب الناس منها ما كتب الله لهم من العلم في يسر وسهولة.
ومن هذا التقرير يتبين لنا مدى ما أسداه المؤلف وأمثاله رحمهم الله ممن سلك مسلكه في كتب الزوائد، حيث قدموا لنا هذه الزوائد على طريقة الكتب الجوامع التي خلدت بما فيها من التخير للأحاديث، مضافًا إليها ذلك التبويب الموضوعي الذي ينتفع به كل باحث في الدين ودارس للعلم.
ومن أبرز هذه النواحي ما نلمسه في هذا المؤلف مما جاء أثرًا لتجميع الأحاديث المتعددة المراجع في باب واحد، من ظهور كثرة كاثرة من الأحاديث أحيانًا في موضوع واحد كنتيجة لذلك التجميع الموضوعي، فإنها لا بد وأن تترك أثر كبيرًا في نفس القارئ، وتنير أمامه الطريق للانتفاع بها كأدلة ووسائل للمعارف الإسلامية، وأنها تبهر القارئ الذي لو أراد أن يكلف نفسه ويرجع إلى نظائرها في الكتب الأخرى لعرف مقدار الحاجة التي كانت قائمة إلى تجميع هذه الأحاديث، وعدم حرمان الأمة الإسلامية من الانتفاع بها على هذا الوجه العظيم، وأنه لولا هذا التجميع على هذا الوجه لظلت موضوعات كثيرة من فروع الدين وأبوابه شاغرة تتطلب توجيهات إسلامية ترفع عن بعضها كثيرًا من التضارب، كما تزيل كثيرًا من الغموض عن بعضها الآخر.