للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحوها، ويبسط في المسائل الخلافية تخريج الأحاديث المتعلقة بها بسطًا وافيًا، ويقارن بين الأدلة ويحاكم بينها، ويسرد تحت عنوان الأسئلة والأجوبة مواضع الأخذ والرد من فقه الحديث، وينتقي من شروح المتقدمين، مواطن العلم والفوائد مع تمام الاستقصاء، ثم تطرق من ذلك إلى الوصف بأنه يشرح الأحاديث من جميع مناحيها، وأن الكتاب بغية المتعلق بالمنقول وطالب المعقول، وأنه سهل الكشف عن المطالب في مظانها، بوضع العناوين الدالة عليها، ولم يحشد إلى كتابه ما هو أجدر بكتب المصطلح مما له كبير مساس بكتب الحديث، ولا يطيل بتخريج طرق الحديث عن كتب المستخرجات والأطراف المختصة بذلك، إلا ما يحتاج إليه في شرح الكتاب، أو ما يفيد ترجيح لفظ على لفظ في الروايات، ولا يفوته موضع الفائدة من ذلك، وقلما يحيل المطالع إلى مواضع قد يتيه في تطلبها، بخلاف صاحبه الشهاب فإنه كثير الإحالة، وقد لا توجد الفائدة حيث أحال، كما أنه خال عما سبق من مزايا شرح البدر، ثم نقل ناحية بين أنها تزيد شرح العيني مزية، وهي أنه كان يطلع على شرح الشهاب ابن حجر جزءًا بواسطة البرهان بن خضر أحد أصحاب الشهاب، وينتقده في مواطن انتقاده مع التوافق بين الشرحين في النقول في بعض المواضع لتوافق مراجعهما، وتناول الكاتب شبهة أن الثاني أخذ من الأول، وبين أنها نظرة من لا دراية له، وأنه يظهر عند الكشف عن مواطن اتفاقهما في مراجعهما، وأورد أيضا أن كتاب العيني ظهر بعد فراغ ابن حجر من شرحه بخمس سنوات، فدهش ابن حجر وأصحابه من ظهور شرح البدر بهذا المظهر، وابتدأ أصحابه يذيعون أعذارًا لشيخهم مولدة، وأورد أن الشهاب بدأ يرد انتقاد العيني عليه، فكتب الاعتراضات وترك ما تحتها بياضًا ليجيب عليها، فاخترمته المنية ولم يجب على كثير منها. ثم اعترف بأن كليهما شرح حافل، وأن العلامة ابن خلدون الذي قال في مقدمته:١ إن شرح البخاري دين على الأمة لو عاش إلى زمن ظهور هذين الشرحين لحكم لهما بقضاء هذا الدين، ثم عاد يفضل شرح العيني بأن من خاض بحار شرحه الفياض يرى نفسه في ملتقى سيل العلوم من جميع النواحي: لغة وإعرابًا وبلاغة واستنباطًا وكشفًا عن تراجم الرجال وكشف كناهم وألقابهم وأسمائهم وأنسابهم وبيانًا لفوائد حديثية، ولطائف إسنادية، وانتهى من ذلك إلى أن المنصف يحكم للعيني بقضاء هذا الدين بلا ارتياب.

وهذه الكلمة المسهبة وإن بدا فيها روح التعصب للمؤلف وكتابه إلا أنها أغنتنا في وصف الكتاب عن بعض ما كنا سنتناوله من وصف، ونحن نرى أنها قد ذكرت كثيرًا مما للعيني من مزايا، وأغفلت بعض ما فيه مما رآه الكاتب نقصًا في شرح الشهاب، فإن الإحالات في كتاب العيني كثيرة ولا سيما في آخره، بل إنه منذ أول الكتاب يحيل في بيان تراجم الرجال عند ذكر أسمائهم، فمن تقدم ذكره


١ انظر مقدمة ابن خلدون ص٣٥١ مطبعة التقدم وفيها يقول: ولقد سمعت كثيرًا من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح كتاب البخاري دين على الأمة يعنون أن أحدًا من علماء الأمة لم يوفر له ما يجب من الشرح بهذا الاعتبار.

<<  <   >  >>